الإِيمَانُ بِاللهِ تَعَالَى هُوَ أَقْصَرُ الطُّرُقِ لِتَحْصِيلِ السَّعَادَةِ.

نُورٌ / العِرَاقُ:      مِنْ أَكْثَرِ القُرْآنِ هِيَ الآيَةُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)) حَيْثُ نَرَى أَنَّ دُوَلًا فِيهَا نِسْبَةُ المُلْحِدِينَ أَوْ اللَّادِينِيِّينَ مُرْتَفِعَةٌ جِدًّا (كَفِنْلَنْدَا وَالنَّرْوِيجِ) تَتَرَبَّعُ عَلَى هَرَمِ مُؤَشِّرِ السَّعَادَةِ الَّذِي يُنْشَرُ بِشَكْلٍ سَنَوِيٍّ، فِي حِينِ دُوَلٍ إِسْلَامِيَّةٍ كَثِيرَةٍ فِي القَاعِ، لَوْ كَانَ هَذَا الكَلَامُ صَحِيحًا لَوَجَدْنَا دُوَلَ الكُفْرِ تَتَذَيَّلُ القَائِمَةَ، وَهُوَ مَا يُنَاقِضُ الشَّرْطَ (أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) وَجَوَابَ الشَّرْطِ (مَعِيشَةً ضَنْكًا) فِي القُرْآنِ؟

: اللجنة العلمية

     الأَخُ - الأُخْتُ نُورٌ.. تَحِيَّةً طَيِّبَةً.

     إِنَّ هُنَاكَ سُؤَالًا يَجُوبُ ذِهْنَ الإِنْسَانِ مَا لَمْ يَتمَّ الجَوَابُ عَلَيْهِ لَا يَسْتَطِيعُ أَيُّ إِنْسَانٍ أَنْ يَشْعُرَ بِالسَّعَادَةِ، فَطَرِيقُ السَّعَادَةِ مَرْهُونٌ بِالجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ.

     وَهُوَ: - مِنْ أَيْنَ، وَإِلَى أَيْنَ، وَفِي أَيْنَ - فَهَذَا السُّؤَالُ يَجِبُ أَنْ يَقِفَ كُلُّ إِنْسَانٍ عِنْدَهُ وَأَنْ يَبْذُلَ كُلَّ جُهْدٍ لِلإِجَابَةِ عَنْهُ، فَجَوَابُهُ يَكُونُ مِفْتَاحًا لِطَرِيقِ السَّعَادَةِ. 

     فَكُلُّ إِنْسَانٍ مَا لَمْ يَعْرِفْ مِنْ أَيْنَ جَاءَ وَإِلَى أَيْنَ سَيَذْهَبُ بَعْدَ المَوْتِ وَمَا هُوَ السَّبِيلُ بَيْنَ النَّشْأَةِ الأُولَى وَالأُخْرَى لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعِيشَ السَّعَادَةَ الحَقِيقِيَّةَ. 

     فَمَعْرِفَةُ اللهِ تَعَالَى هِيَ الأَسَاسُ المُحْكَمُ لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ، وَلَمَّا نَتَمَعَّنُ الآيَاتِ القُرْآنِيَّةِ المُبَارَكَةِ نَجِدُ أَنَّهَا تَرْسُمُ لِلإِنْسَانِ طُرُقَ تَحْصِيلِ السَّعَادَةِ وَتَأْخُذُ بِيَدِ الإِنْسَانِ إِلَى الحَيَاةِ الحَقِيقِيَّةِ الَّتِي لَا ضَنْكَ فِيهَا وَلَا تَعَبَ، فَالإِيمَانُ بِاللهِ تَعَالَى هُوَ المُحَقِّقُ لِهَذَا الهَدَفِ السَّامِيِّ الَّذِي يَصْبُوا إِلَيْهِ كُلُّ إِنْسَانٍ عَلَى وَجْهِ هَذِهِ البَسِيطَةِ. وَلِذَا قَالَ اللهُ فِي سُورَةِ الأَنْفَالِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (24)).

     وَمَنْ تَتَبَّعَ الدِّرَاسَاتِ الَّتِي أَجْرَاهَا عُلَمَاءُ النَّفْسِ الغَرْبِيِّينَ يَجِدُ أَنَّهُمْ تَوَصَّلُوا إِلَى أَنَّ السَّعَادَةَ الحَقِيقِيَّةَ تَكْمُنُ بِالإِيمَانِ بِاللهِ تَعَالَى وَاتِّبَاعِ الإِسْلَامِ، فَهُنَاكَ دِرَاسَةٌ أَجْرَاهَا البَاحِثُ (عَبْدُ الدَّائِمِ الكحيلُ) فِي تَتَبُّعِ كَلِمَاتِ الغَرْبِيِّينَ.

     يَقُولُ البَاحِثُ: Stephen Cranney إِنَّ الإِيمَانَ بِاللهِ تَعَالَى يَمْنَحُ الإِنْسَانَ سَعَادَةً كَبِيرَةً وَيُسَاعِدُهُ عَلَى اتِّخَاذِ قَرَارَاتٍ صَحِيحَةٍ وَتُصْبِحُ حَيَاتُهُ ذَاتَ هَدَفٍ وَقِيمَةٍ!

     وفِي عَامِ 2006 قَامَ البَاحِثَانِ Andrew Clark  و  Orsolya Lelkes بِمَسْحٍ شَامِلٍ لِمِئَاتِ الدِّرَاسَاتِ العِلْمِيَّةِ.. تَبَيَّنَ مِنْ خِلَالِهَا أَنَّ الإِيمَانَ بِاللهِ تَعَالَى هُوَ أَقْصَرُ طَرِيقٍ لِلسَّعَادَةِ!! وَفِي مُؤْتَمَرِ Royal  Economic Society الَّذِي انْعَقَدَ عَامَ 2008 وَجَدَ البَاحِثُونَ أَنَّ الإِلْحَادَ يُؤَدِّي لِعَدَمِ الإِسْتِقْرَارِ فِي الحَيَاةِ عَلَى عَكْسِ الإِيمَانِ الَّذِي يَمْنَحُ الإِنْسَانَ مَزِيدًا مِنْ قُوَّةِ الشَّخْصِيَّةِ وَالسَّعَادَةِ.

     وَيَقُولُ البَاحِثُ Stephen Cranney الَّذِي أَجْرَى الدِّرَاسَةَ بِإِشْرَافِ جَامِعَةِ بِنْسِلْفانِيا: لَقَدْ كَانَتِ النَّتَائِجُ مُفَاجِئَةً جِدًّا لِأَنَّنَا لَمْ نَكُنْ نَتَوَقَّعُ أَهَمِّيَّةَ الإِيمَانِ بِاللهِ، حَيْثُ أَظْهَرَ المُشَكِّكُونَ عَدَمَ اسْتِقْرَارِهِمْ فِي الحَيَاةِ وَعَدَمِ تَمَتُّعِهِمْ بِنِظَامٍ مَنَاعِيٍّ قَوِيٍّ مِثْلِ المُؤْمِنِينَ بِوُجُودِ اِلَهٍ لِلكَوْنِ.

     وَهُنَاكَ دِرَاسَةٌ نُشِرَتْ فِي عَامِ 2013 فِي مَجَلَّةِ  Journal of Affective Disorders  فَتُؤَكِّدُ أَنَّ الإِيمَانَ بِاللهِ يُعَالِجُ الأَمْرَاضَ النَّفْسِيَّةَ. حَتَّى إِنَّ دِرَاسَةَ جَامِعَةِ مَيْسُورِي أَظْهَرَتْ أَنَّ الإِعْتِقَادَ بَأَيِّ دِينٍ أَفْضَلُ مِنْ الإِلْحَادِ وَيُحَسِّنُ الحَالَةَ النَّفْسِيَّةَ. وَيَقُولُ العُلَمَاءُ: إِنَّ مُجَرَّدَ أَنْ تَعْتَقِدَ بِوُجُودِ خَالِقٍ لِلكَوْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسَاعِدُكَ عَلَى الشِّفَاءِ بِشَكْلٍ أَسْرَعَ وَيَمْنَحُكَ سَعَادَةً وَاطْمِئْنَانَاً فِي الحَيَاةِ.

     وَفِي دِرَاسَةٍ لِجَامِعَةِ ستَانْفُورد تُبَيِّنُ أَنَّ الإِيمَانَ بِاللهِ يُسَاعِدُ عَلَى خَفْضِ ضَغْطِ الدَّمِ وَاسْتِقْرَارِ عَمَلِ القَلْبِ، كَمَا أَثْبَتَتْ عِدَّةُ دِرَاسَاتٍ لِجَامِعَةِ هَارْفَارد أَنَّ الإِيمَانَ بِاللهِ يُسَاعِدُ عَلَى شِفَاءِ الأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ، كَمَا يَقُولُ البَاحِثُDavid H. Rosmarin  فِي جَامِعَةِ هَارْفَارد: الإِيمَانُ بِاللهِ لَا يُحَسِّنُ الحَالَةَ النَّفْسِيَّةَ فَحَسْبٌ، بَلْ يُعَالِجُ الإِكْتِئَابَ وَيَقْضِي عَلَى الضُّغُوطِ النَّفْسِيَّةِ.

     وَمِنْ هُنَا نُدْرِكُ لِمَاذَا أَمَرَنَا اللهُ بِمُمَارَسَةِ الإِيمَانِ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا باللهِ) [النِّسَاءُ: 136]، فَالخِطَابُ للَّذِينَ آمَنُوا يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُؤْمِنُوا! وَمِنْ كُلِّ مَا مَرَّ نَجِدُ بِوُضُوحٍ مِصْدَاقِيَّةَ هَذِهِ الآيَةِ المُبَارَكَةِ ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)).

     أَمَّا الدُّوَلُ الَّتِي يُدَّعَى أَنَّهَا تَتَرَبَّعُ عَلَى هَرَمِ مُؤَشِّرِ السَّعَادَةِ (كَفِنْلَنْدَا وَالنَّرْوِيجِ) فَهَذَا الكَلَامُ مِمَّا يُضْحِكُ الثَّكْلَى. 

     فَإِنَّ هُنَاكَ دِرَاسَةً أَجْرَتْهَا قَنَاةُ الْجَزِيرَةِ تَحْتَ عُنْوَانِ (حَالَاتُ الإِنْتِحَارِ مُرْتَفِعَةٌ بِالنَّرْوِيجِ مُقَارَنَةً مَعَ غَيْرِهَا مِنْ الدُّوَلِ الأُورُوبِّيَّةِ).

     وَأَشَارَتْ أَرْقَامُ دِرَاسَةٍ أُجْرِيَتْ عَلَى مُسْتَوَى أَورُوبَّا إِلَى أَنَّ حَالَاتِ إِلْحَاقِ الضَّرَرِ الجَسَدِيِّ مُرْتَفِعَةٌ جِدًّا بِالنَّرْوِيجِ مُقَارَنَةً مَعَ غَيْرِهَا مِنْ الدُّوَلِ الأُورُوبِّيَّةِ، وَاسْتَنَدَتِ الدِّرَاسَةُ فِي ذَلِكَ إِلَى اسْتِطْلَاعٍ شَمِلَ نَحْوَ 30 أَلْفَ شَخْصٍ، وَأَظْهَرَ الإِسْتِطْلَاعُ أَنَّ أَكْثَرَ مِنْ 10% مِنْ الفِتْيَانِ النَّرْوِيجِيِّينَ البَالِغِ أَعْمَارِهِمْ 15 وَ16 عَامًا قَامُوا وَهُمْ بِكَامِلِ قِوَاهُمْ العَقْلِيَّةِ وَوِفْقًا لِإِرَادَتِهِمْ بِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَنْفُسِهِمْ جَسَدِيًّا، وَسَجَّلَتِ الدِّرَاسَةُ أَنَّ نِصْفَ هَؤُلَاءِ كَانُوا يَنْوُونَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ الإِنْتِحَارَ.

     وَتَذْكُرُ نَتَائِجُ الإِسْتِطْلَاعِ أَيْضًا أَنَّ 20% فَقَطْ مِنْ هَؤُلَاءِ تَلَقَّوْا مُسَاعَدَاتٍ مِنْ مُخْتَصِّينَ، وَوِفْقًا لِلدِّرَاسَةِ فَإِنَّ الشَّبَابَ النَّرْوِيجِيَّ يَحْتَلُّ المَرْتَبَةَ الثَّالِثَةَ فِي مُحَاوَلَاتِ الإِضْرَارِ بِالنَّفْسِ وَالإِنْتِحَارِ مِنْ بَيْنِ سَبْعِ دُوَلٍ شَمِلَتْهُمْ الدِّرَاسَةُ.

     وَفِي دِرَاسَةٍ أَجْرَتْهَا جَامِعَةُ أُوسْلُو عَلَى خَلْفِيَّةِ ثَمَانِيَةِ عَوَامِلَ نَفْسِيَّةٍ أَوْضَحَتْ الدِّرَاسَةُ أَنَّ الإِقْدَامَ عَلَى الإِنْتِحَارِ يُشَكِّلُ نِسْبَةً تَتَرَاوَحُ بَيْنَ 50 وَ60% مِنْ دَوَافِعِ مُحَاوَلَاتِ إِيذَاءِ النَّفْسِ.

     وَتُؤَكِّدُ دِرَاسَةٌ نَفْسِيَّةٌ حَدِيثَةٌ فِي النَّرْوِيجِ أَنَّ مُحَاوَلَاتِ الإِنْتِحَارِ أَوْ إِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالنَّفْسِ أَصْبَحَتْ أَمْرًا اعْتِيَادِيًّا لَدَى فِئَاتِ الشَّبَابِ، وَقَرَعَتْ الدِّرَاسَةُ جَرَسَ الإِنْذَارِ تَحَسُّبًا لِتَفَاقُمِ حَالَاتِ الإِنْتِحَارِ وَآثَارِهِ النَّاجِمَةِ عَنْهُ، وَسَيَطْرَحُ المُؤْتَمَرُ المُزْمَعُ عَقْدُهُ صَبَاحَ غَدٍ حَالَاتِ الإِنْتِحَارِ وَأَسْبَابَهَا وَكَيْفِيَّةَ التَّغَلُّبِ عَلَيْهَا وَالْحَدَّ مِنْهَا.

     وَبِحَسَبِ وِكَالَةِ هَوِيَّةِ بِيْرس.

     شَهِدَتْ أَعْدَادُ الوَفِيَّاتِ بِسَبَبِ الإِنْتِحَارِ فِي فِنْلَنْدَا ارْتِفَاعًا لِلسَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى التَوَالِي، وِفْقَ مَا أَفَادَتْ بِهِ الهَيْئَةُ الوَطَنِيَّةُ لِلإِحْصَاءِ بِفِنْلَنْدَا.

     وَحَسَبَ المَصْدَرِ ذَاتِهِ، فَقَدْ انْتَحَرَ مَا مَجْمُوعُهُ 824 شَخْصًا فِي عَامِ 2017، وَهُوَ رَقْمٌ أَعْلَى بِ 30 حَالَةً مُقَارَنَةً بِالعَامِ السَّابِقِ وَبِ 90 حَالَةً مُقَارَنَةً بِ 2015.

     وَعَلَى الرُّغْمِ مِنْ التَّطَوُّرِ الَّذِي شَهِدَتْهُ السَّنَوَاتُ الأَخِيرَةُ، فَقَدْ انْخَفَضَ مُعَدَّلُ وَفِيَّاتِ الإِنْتِحَارِ بِأَكْثَرَ مِنْ 20 فِي المِائَةِ فِي عَشْرِ سَنَوَاتٍ، بِنِسْبَةِ 22 فِي المِائَةِ لِلرِّجَالِ، وَ 16 فِي المِائَةِ لِلنِّسَاءِ.

     هَذَا حَالُ الدُّوَلِ الَّتِي يُدَّعَى أَنَّهَا تَتَرَبَّعُ عَلَى عَرْشِ السَّعَادَةِ، فَمَا بَالُ الدُّوَلِ الأُخْرَى.

     كُلُّ هَذَا لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِهِ فَيَعِيشُونَ فِي ضَنْكِ العَيْشِ.

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.