هل الحوت الذي ابتلع سيدنا يونس ( عليه السلام ) ما زال حيًا مع الدّليل على ذلك ؟
السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه :
القولُ: بأنَّ الحوتَ الذي إلتقمَ يُونسَ (عليهِ السّلام) لا يزالُ حيّاً ؛ قَد طُرحَ حديثاً للمُناقشةِ فيهِ, ورُبّما كانَ السّببُ في ذلكَ هوَ ما فهمَهُ بعضُهم مِن قولِه تعالى : (( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )) [الصّافّات: 143، 14 ], معَ أنَّ هذا الفهمَ غيرُ صحيحٍ ، ولا دليلَ عليه ، ولا نعلمُ أحداً مِن أهلِ العلمِ ولاسيّما المُفسّرينَ منهُم قالَ ذلكَ. والإستدلالُ بالآيةِ على ذلكَ إستدلالٌ غيرُ صحيحٍ ؛ فإنَّ ( لولا ) حرفُ إمتناعٍ لوجود ، يعني إذا وُجدَ الشّرطُ إمتنعَ تحقّقُ الجوابِ؛ فلمّا كانَ يونسُ عليهِ السّلام منَ المُسبّحينَ ، إمتنعَ أن يلبثَ في بطنِ الحوتِ إلى يومِ يبعثونَ, فالآيةُ - إذنْ - تتحدّثُ عَن موضوعِها الأساسيّ وهوَ يونسُ (عليه السّلام), وليسَ عَنِ الحوتِ , وهذهِ الآيةُ هيَ نظيرُ قولِه تعالى : ( لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُم فِيمَا أَخَذْتُم عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [ الأنفالُ: 68 ]. فامتنعَ وقوعُ العذابِ ، لِـما سَبَقَ في الكتابِ, وقولُه تعالى : ( وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِم شَيْئًا قَلِيلًا ) [ الإسراءُ: 74], فامتنعَ ركونُه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) للمُشركينَ لحصولِ تثبيتِ اللهِ تعالى لهُ. أضِفْ إلى ذلكَ أنَّ الآيةَ لا علاقةَ لها بحياةِ الحوتِ الآن ، أو متى ماتَ ، أو لَم يمُت ؛ فكلُّ هذا مبنيٌّ على تقديرٍ لَم يحصُل, بل يمكنُ أنْ يُقالَ أيضاً: إنَّ المكثَ في بطنِ الحوتِ إلى يومِ يُبعثونَ لا يلزمُ منهُ أنَّ الحوتَ لا يزالُ حيّاً إلى يومِ القيامةِ، فغيرُ مُمتنعٍ أن يموتَ الحوتُ ويموتَ الإنسانُ في بطنِ الحوتِ ، ثُمَّ يمكثُ في بطنِه إلى يومِ البعثِ ، كما يمكثُ الميّتُ في قبرِه إلى يومِ البعثِ. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق