هل يجوز الحلف بغير الله مثل الامام والنبي وغيره وما هو الدليل على ذلك مع انُ الرسول (ص) قال "من حلف بغير الله قد اشرك بالله"

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله

جمع الحرّ العاملي في وسائلهِ الروايات الواردة في موضوع الحلف بغير الله تعالى، وهي على قسمين قسمٌ يمنع عن الحلف بغير الله وقسمٌ يدلّ على الجواز ووقوعه بالفعل من الأئمة (عليهم السلام) وقبل أن نناقش الموضوع لابدّ من سرد هذه الروايات اولاً كما في الوسائل في ج 23 ص 259، ومن ثم مناقشتها. ويمكن مراجعتها على الرابط http://shiaonlinelibrary.com/ 

(٢٩٥١٩) ١ - محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن علي بن مهزيار قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): في قول الله عز وجل: ﴿والليلِ إذا يغشى * والنهارِ إذا تجلى﴾ وقوله عز وجل: ﴿والنجم إذا هوى﴾ وما أشبه هذا، فقال: إنّ الله عز وجل يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به عز وجل.

(29520) 2 - وبإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) - في حديث المناهي - أنه نهى أن يحلف الرجل بغير الله، وقال: من حلف بغير الله فليس من الله في شئ، ونهى أن يحلف الرجل بسورة من كتاب الله عز وجل وقال: من حلف بسورة من كتاب الله فعليه بكلّ آية منها كفارة يمين فمن شاء برّ ومن شاء فجر، ونهى أن يقول الرجل للرجل: لا وحياتك وحياة فلان.

(29521) 3 - محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قول الله عز وجل: ﴿والليلِ إذا يغشى﴾ ﴿والنجم إذا هوى﴾ وما أشبه ذلك، فقال: إنّ لله عز وجل أن يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به.

(29522) 4 - وبالإسناد عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا أرى للرجل أن يحلف إلا بالله، فأمّا قول الرجل: لا ب لشانيك، فإنه قول أهل الجاهلية ولو حلف الرجل بهذا وأشباهه لترك الحلف بالله، وأما قول الرجل: يا هناه ويا هناه فإنما ذلك لطلب الاسم ولا أرى به بأسا، وأما قوله: لعمرو الله وقوله: لا هاه فإنما ذلك بالله عز وجل.

(29523) 5 - وعن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن أبي نصر عن عبد الكريم عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا أرى للرجل أن يحلف إلا بالله وقال: قول الرجل حين يقول: (لا ب لشانيك) فإنما هو من قول الجاهلية، ولو حلف الناس بهذا وشبهه لترك أن يحلف بالله.

(29524) 6 - وعن أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى عن أبي جرير القمي قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك قد عرفتَ انقطاعي إلى أبيك ثم إليك ثم حلفت له وحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحق فلان وفلان حتى انتهيت إليه انه لا يخرج ما تخبرني به إلى أحد من الناس وسألته عن أبيه أحيّ هو أم ميت؟ قال: قد والله مات، إلى أن قال: قلت: فأنت الامام؟ قال: نعم.

(29525) 7 - وعن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن مروك بن عبيد عن (محمد بن يزيد الطبري) قال: كنت قائماً على رأس الرضا (عليه السلام) بخراسان إلى أن قال: فقال: بلغني أنّ الناس يقولون: إنا نزعم أنّ الناس عبيد لنا، لا وقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قلته قط ولا (سمعت أحدا) من آبائي قاله ولا بلغني من أحد من آبائي قاله: ولكني أقول: إنّ الناس عبيد لنا في الطاعة موالٍ لنا في الدين فليبلغ الشاهد الغائب.

(29526) 8 - وعن أبي محمد القاسم بن العلاء رفعه عن عبد العزيز بن مسلم عن الرضا (عليه السلام) - في حديث طويل - في صفة الإمام والردّ على من يجوز اختياره - إلى أن قال: - فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه؟ تعدوا وبيت الله الحق ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.

(29527) 9 - محمد بن محمد بن النعمان المفيد في (العيون والمحاسن) عن علي بن عاصم عن عطاء بن السائب عن ميسرة قال: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) مرّ برحبة القصابين بالكوفة فسمع رجلا يقول: لا والذي احتجب بسبع طباق، قال: فعلاه بالدرّة وقال له: ويحك إنّ الله لا يحجبه شئ ولا يحتجب عن شئ، قال الرجل: انا أكفّرُ عن يميني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، لأنك حلفت بغير الله. 

(٢٩٥٢٨) ١٠ - وقد تقدم في أحاديث العمرة في حديث علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: وحقك لقد كان منى في هذه السنة ست عمر.

(٢٩٥٢٩) ١١ - محمد بن مسعود العياشي في (تفسيره) عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: ﴿ما يؤمنُ أكثرهم بالله الا وهم مشركون﴾، قال: من ذلك قول الرجل: لا وحياتك.

(29530) 12 - وعنه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: شرك طاعة قول الرجل: لا والله وفلان. الحديث.

(29531) 13 - أحمد بن محمد بن عيسى في (نوادره) عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: اليمين التي تكفّر أن يقول الرجل: لا والله ونحو ذلك.

(٢٩٥٣٢) ١٤ - وعن علي - يعنى: ابن مهزيار - قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر (عليه السلام) إلى داود بن القاسم: إنّي قد جئت وحياتك.

(٢٩٥٣٣) ١٥ - وعن العلاء قال: سألته عن قوله: ﴿فلا أقسم بمواقع النجوم﴾؟ قال: أعظم إثم من حلف بها.

المناقشة:

1- يتضحُ من خلال هذه الروايات أنّ بعضها يمنع من الحلف والبعض الاخر وقع فيه الحلف بغير الله مثل قول الإمام: (تعدوا وبيت الله الحق ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.) حيث حلف الإمام ببيت الله. وقول الامام: (لا وقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قلته قط)، وهنا حلف الإمام بقرابتهِ من رسول الله، وقول الإمام: (وحقك لقد كان مني في هذه السنة ستُّ عمر) وهنا حلف الإمام بحقه. وكذلك قول الرجل للإمام: (ثم حلفت له وحقّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحق فلان وفلان حتى انتهيت إليه) ولم يمنعه الإمام عن ذلك

2- الرواياتُ المانعة عللت المنعَ بأنّ بعض أنواع الحلف بغير الله من فعل الجاهلية، مثل قول الإمام: (فإنما هو من قول الجاهلية)

3- نهت بعض الروايات عن الحلف بغير الله خوفاً من أن يتركوا الناس الحلف بالله، مثل قول الإمام: (ولو حلف الرجل بهذا وأشباهه لترك الحلف بالله) 

4- بعضُ الروايات منعت من ترتب الأثر على الحلف بغير الله مثل قول أمير المؤمنين للرجل عندما قال له: (انا أكفّر عن يميني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، لأنك حلفت بغير الله) وكذلك قول أبي عبد الله (عليه السلام) (أنه قال: اليمين التي تكفّر أن يقول الرجل: لا والله ونحو ذلك)

5- هناك رواية جعلت الحلفَ بمواقع النجوم إثماً وهي قول الإمام: (سألته عن قوله: ﴿فلا أقسم بمواقع النجوم﴾؟ قال: أعظم إثم من حلف بها)

ومن خلال الجمع بين هذه الروايات استفاد الفقهاء بأنّ المقصود منها هو الحكم الوضعي دون الحكم التكليفي، أي أنّ النهي متوجهٌ لنفي الأثر المترتّب على اليمن، فلا يكون يميناً من الأساس ولا يكون فيه كفارة إن خالف، وعليه لم يحملوها على الحرمة التكليفية وذلك لوقوع الحلف بغير الله من الإمام كما في بعض الروايات، مضافاً إلى وقوعه من رسول الله كما في روايات أهل السّنة، (فقد أخرج مسلم في صحيحه: أنّه جاءَ رجل إلى النبيّ، فقال: يا رسول اللّه أيّ الصدقة أعظم أجراً؟ فقال: أما ـ و أبيك ـ لتنبئنَّه أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء) . وأخرج مسلم أيضاً: جاء رجل إلى رسول اللّه ـ من نجد ـ يسأل عن الاِسلام، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: خمس صلوات في اليوم والليل. فقال: هل عليَّ غيرهنّ؟ قال: "لا...إلاّ أن تطوّع". وصيام شهر رمضان". فقال: هلّ عليَّ غيره؟ قال: "لا... إلاّ تطوّع، وذكر له رسولُ اللّه الزكاة. فقال الرجل: هل عليّ غيره؟ قال: "لا... إلاّ أن تطوّع". فادبرَ الرجل وهو يقول: واللّه لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: أفلح ـ وأبيه ـ إن صدق. أو قال: دخل الجنة ـ و أبيه ـ إن صدق) 

وقد حلفَ غير واحد من الصحابة بغيره سبحانه، فهذا أبو بكر بن أبي قحافة على ما يرويه مالك في موطّئه: أنّ رجلاً من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم فنزل على أبي بكر فشكا إليه أنّ عامل اليمن قد ظلمه، فكان يصلي من الليل، فيقول أبو بكر: وأبيك ما ليلك بليل سارق) . وعلى ذلك مضت سيرة المتشرعة منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى يومنا هذا، ولذا لم يفتِ الأحناف والشافعية بحرمة الحلف بغير الله وحملوه على الكراهة، وكذلك أفتى بعض المالكية بالكراهة.

أمّا حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فانّ من حلف بغير اللّه فقد أشرك، وإن كان مرويّاً في كتب الشيعة بسند ضعيف إلا أنّهُ معارضٌ أولاً بالروايات التي وقع فيها الحلف بغير الله من رسول الله كما في رواية مسلم وبحلف أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كما في رواياتنا. وثانياً: السياق التاريخي يثبت أنّ عادة العرب كانت الحلفَ بالآباء وبالأصنام، ولذا قد تكون الرواية ناظرة إلى هذا النوع من الحلف، والذي يدلّ على ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأُمهاتكم ولا بالاَنداد) ، فنهى عن الحلف بالآباء لأنهم كانوا مشركين وعبدة للأوثان فليس لهم حرمة ولا كرامة حتى يحلف بهم، ولذا نجدُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قرن آباءهم بالأنداد تارةً وبالطواغيت تارةً أخرى في قوله: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت) . وعليه فإنّ حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حلف بغير الله فقد أشرك، يحمل على حلف العرب في الجاهلية وفي الأيام الأولى من الإسلام، والذي يجعلنا نقطع بذلك هو رواية النسائي التي جاء فيها (لا تحلف بأبيك، فانّ من حلف بغير اللّه فقد أشرك) حيث قرن الحديث بين الحلف بالآباء وبين الشرك بالله. وعليه فإنّ القدر المتيقن من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو أنّ الحلف الذي يكون شركاً هو الحلف بالأنداد والأصنام والطواغيت والآباء الكافرين.