في عالم الذر عندما قال الله تعالى الست بربكم؟ فهل لارواحنا مدخلية في الاجابه ام ان الله انطقها ؟
عالم الذر عندما اشهدنا الله على انفسنا الست بربكم فاول من قال بلى الرسول ص… .. ومنهم رفض او تاخر . فهل لهذه الروح مدخلية في الاجابه ام ان الله انطق هذه واسكت هذه . علما اني لم اقتنع بهذه الاجابه لعلمي بعدالة الله لكن لم اتوصل الى جواب وقد طرحها الشيخ زمان في مرقد السيد بن عيسى ع لكنه لم يقل الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عالم الذر وما وقع فيه من اشهاد له تفسيرات متعددة ومختلفة بين العلماء، فقد فسر البعض الاشهاد في الآية بالشهادة الوجدانية الفطرية الموجودة في عالم الدنيا وانكروا بذلك عالم الذر بالشكل الذي صرحت به الروايات، وقد حكم الشريف المرتضى بضعف اسانيد تلك الروايات وحكم بكونها غير صالحة لتفسير الآية، ثم أورد اعتراضات على معقولية هذا العالم المسمّى بعالم الذر، وهناك بحوث ونقاشات متعددة حول اثباته ونفيه.
يقول ناصر مكارم الشيرازي في تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}: الآياتُ المذكورةُ أعلاهُ، تشيرُ إلى "التّوحيدِ الفطريّ" ووجودِ الإيمانِ فِي أعماقِ روحِ الإنسانِ. وبالرّغمِ مِن كثرةِ الأقوالِ والكلامِ بينَ المُفسّرينَ فِي شأنِ عالمِ الذّرِّ، إلّا أنّنَا نُحاولُ أن نُبيّنَ التّفسيرَ الإجماليَّ لهذهِ الآياتِ الكريمةِ، ثمَّ نختارُ الأهمَّ مِن أبحاثِ المُفسِّرينَ، ونبيّنُ وجهةَ نظرنَا بصورةٍ اِستدلاليَّةٍ موجزةٍ! ... ثم يقول: رأينا أنَّ الآياتِ محلُّ البحثِ تتحدّثُ عَن أخذِ العهدِ مِن ذريَّةِ آدمَ، لكن كيفَ أُخِذَ هذا العَهدُ؟
لم يرِدْ فِي النّصِّ إيضاحٌ فِي جُزئيّاتِ هذا الموضوعِ، إلّا أنَّ للمُفسِّرينَ آراءً مُتعدِّدةً تعويلاً منهم على "الرّواياتِ الإسلاميّةِ الواردةِ عنِ النّبيِّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) وأهلِ بيتهِ (عليهمُ السّلامُ)" ومِن أهمِّ هذهِ الآراءِ رأيانِ:
1 - حينَ خُلِقَ آدمُ ظهرَ أبناؤهُ على صورةِ الذّرِّ إلى آخرِ نسلٍ لهُ منَ البشرِ "وطِبقاً لبعضِ الرّواياتِ ظهرَ هذا الذّرُّ أو الذّرّاتُ مِن طينةِ آدمَ نفسهِ"، وكانَ لهذا الذّرِّ عقلٌ وشعورٌ كافٍ للاستماعِ والخِطابِ والجَوابِ، فخاطبَ اللهُ سُبحانهُ الذّرَّ
قائِلاً ألستُ بربِكم؟ فأجابَ الذّرُّ جميعاً: بلى شَهدنا.
ثُمَّ عادَ هذا الذّرُّ "أو هذهِ الذّرّاتُ" جميعاً إلى صُلبِ آدمَ "أو إلى طينتهِ" ومِن هُنَا فقد سُمِّيَ هذا العالمُ بعالمِ الذّرِّ، وهذا العهدُ بعهدِ "ألستُ"؟
فبناءً على ذلكَ، فإنَّ هذا العهدَ المُشارَ إليهِ آنفاً هوَ عهدٌ تشريعيٌّ، ويقومُ على أساسِ "الوعيّ الذاتيِّ" بينَ اللهِ والنَّاسِ.
2 - إنَّ المُرادَ مِن هذا العالمِ وهذا العهدِ هوَ عالمُ الاِستعدادِ "والكفاءاتِ"، و "عهدِ الفِطرةِ" والتّكوينِ والخَلقِ. فعندَ خروجِ أبناءِ آدمَ مِن أصلابِ آبائِهم إلى أرحامِ الأمَّهاتِ، وهم نطفٌ لا تَعدو الذّرّاتِ الصِّغارَ، وهبَهُم اللهُ الاِستعدادَ لتقبُّلِ الحقيقةِ التّوحيديّةِ، وأودعَ ذلكَ السِّرَّ الإلهيَّ فِي ذاتِهم وفطرتِهم بصورةِ إحساسٍ داخليٍّ، كمَا أودعهُ فِي عقولِهم وأفكارِهم بشكلِ حقيقةٍ واعيةٍ بنفسهَا.
فبناءً على هذا، فإنَّ جميعَ أبناءِ البشرِ يحملونَ روحَ التَّوحيدِ، ومَا أخذهُ اللهُ مِن عهدٍ منهم أو سؤالهِ إيَّاهم: ألستُ بربكم؟ كانَ بلسانِ التّكوينِ والخلقِ، وما أجابوهُ كانَ باللّسانِ ذاتهِ! ومِثلُ هذهِ التّعابيرِ غيرُ قليلةٍ فِي أحاديثنا اليوميّةِ، إذ نقولُ مثلاً: لونُ الوجهِ يُخبِرُ عن سرِّهِ الباطنيِّ "سيماهُم فِي وجوهِهم"، أو نقولُ: إنَّ عيني فلانٍ المُجهدَتَينِ تُنبِّئانِ أنَّهُ لم ينمْ اللّيلةَ الماضيةَ.. هذا باختصارٍ هوَ خُلاصةُ الرّأيَينِ أو النَّظرتينِ المعروفتينِ فِي تفسيرِ الآياتِ آنفةِ الذِّكرِ، إلَّا أنَّ التَّفسيرَ الأوَّلَ فيهِ بعضُ الإشكالاتِ.. ثم يورد مجموعة من الإشكالات على التفسير الأول ويرجح التفسير الثاني.
ويبدو أن عدم القدرة على تفهم ما حدث في عالم الذر وما يطرح حوله من إشكالات يعود إلى عدم قدرة الإنسان على تذكر ما جراء عليه في ذلك العالم، فلا يمكن حينها مقاربة الأمر عقلياً لافتقاد العقل المعلومات الكافية لذلك الحدث، فمن اعتقد به تسليماً لهذه الروايات واوكل علم ما فيها لأهل البيت (عليهم السام) اجزاءه ذلك، ومن شكك في حدوثه بسبب تعذر فهمه أو بسبب ورود بعض الإشكالات كان معذوراً، فهو ليس من أصول الاعتقاد التي يجب الايمان بها.
أما الاشكال الذي طرحه السائل على فرض القبول بعالم الذر والتسليم بما جاء في الروايات يمكن معالجته على الشكل التالي:
أولاً: أن المحكم عندنا هو أن الله لم يجرِ الأمور على البشر بالجبر والاكراه وإنما أقامها على الوعي والاختيار، وعليه فان استجابة الأرواح لذلك الموقف لابد أن تكون استجابة اختيارية.
ثانياً: أن استخراج الذر من ظهور بني آدم على نفس ما ستكون عليه عندما تخرج في عالم الدنيا، أي أن حقيقة الإنسان التي خرج عليها في الدنيا هي ذاتها حقيقته التي خرج بها في عالم الذر، وأن طبيعة الإنسان وهو في عالم الذر هي ذاتها طبيعته وهو في عالم الدنيا.
ثالثاً: ما نعلمه بالضرورة هو حال الإنسان في الدنيا وما نجهله هو حاله في عالم الذر، وبما أن طبيعة الإنسان واحدة سوى كان في الذر أو في الدنيا حينها يمكننا معرفة ما عليه الإنسان في عالم الذر من خلال معرفتنا بحاله في الدنيا، طالما أن اخراج الإنسان على هيئة الذر لا يختلف عن اخرجه في الدنيا، وأن عالم الذر لم يغير طبائع النفس والروح وإنما فقط تم فيه اشهاد الناس على ربهم، فنسى الإنسان الموقف وثبتت المعرفة في الفطرة، وعليه فمعرفة الإنسان لحاله في الدنيا ومدى استجابته لنداء الفطرة ونداء الرسل لا يختلف عن حاله في ذلك العالم، فإذا كان الإنسان في الدنيا مخير بين الايمان والكفر وهو يشعر بذلك في عمق كيانه، ويعرف نفسه إن كان يستجيب أو يكفر أو يتردد أو يأخذ وقت حتى يقبل أو غير ذلك من الحالات، فإن ما اخبرت به الروايات من سرعة استجابة البعض في العالم الذر وتأخر الاخرين أو ترددهم، كل ذلك مشابه لحال الإنسان في الدنيا، وبما أن حاله في الدنيا ضمن حدود اختياره كذلك كان حاله في عالم الذر، فليس هناك اجبار أو اكراه.
اترك تعليق