لماذا يجبُ علينا نشرُ مظلوميّةِ فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟

: السيد عبدالهادي العلوي

السلام عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،لقد قامَت السيّدةُ فاطمةُ الزهراء (عليها السلام) بالتضحيةِ بنفسِها وولدِها مِن أجلِ حفظِ الدينِ والإسلام، ومِن أجلِ أن يصلَ إلينا الدينُ بشكلٍ صحيح، وذلكَ برفعِ رايةِ المُعارضةِ مع السلطةِ التي قامَت بغصبِ الخلافة وأضفَت على نفسِها الشرعيّة، وجعلَت نفسَها في مقامِ الخلافةِ عن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، فجعلَت نفسَها مخوّلةً لتزييفِ الدينِ وتحريفِه وطمسِ معالمِه والزيادةِ والنقيصةِ فيه، وكتبُ السيرةِ والتاريخِ والحديثِ مليئةٌ بالمواردِ التي قامَت السلطةُ بتحريفِ الدين، وقد جمعَ بعضَها العلّامةُ السيّدُ عبدُ الحُسينِ شرفُ الدين في كتابِه (النصُّ والاجتهاد)، أوضحَ فيه كيفَ قامَ الخلفاءُ بالاجتهادِ مقابلَ النصِّ الواضح.  هذه السلطةُ التي صارَت الجهةَ الرسميّةَ للإسلام، فاستولَت على الزعامةِ السياسيّة، ونصّبَت نفسَها منصبَ خلافةِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) فادّعَت زوراً الزعامةَ الدينيّةَ أيضاً، فصارَ قولها وفعلها وتقريرُها حُجّةً عندَ العامّة، حتّى أنّ الباحثَ المُنصفَ لو تصفّحَ الفقهَ الاستدلاليّ للمُخالفينَ يجدُ أنّهم ربّما يستدلّونَ على الحُكمِ الشرعيّ بفعلِ الخليفة، وكأنّ فعلَ الخليفةِ أو قوله منبعٌ لاستنباطِ الحُكمِ الشرعيّ بعرضِ الكتابِ والسنّة!! بل ذهبَ بعضُهم إلى عصمتِهم، وهذا تصريحٌ لفظيٌّ لذاكَ السلوكِ العمليّ؛ إذ المخالفونَ يتعاملونَ معَ خُلفائِهم معاملةَ المعصومِ فلا يكادونَ يقبلونَ لهم منقصةً ولا شائنةً، ويحاولونَ ترقيعَ شنائعِهم وتجميلَها وعكسَ مثالبِهم لمناقب ولا يقبلونَ مِن أيّ أحدٍ بأيّ مثلبةٍ فيهم، فهوَ إقرارٌ عمليٌّ بالعصمةِ لهم.  قامَت السيّدةُ الزهراءُ (عليها السلام) ببيانِ مبدأ انحرافِ الأمّةِ وذلكَ عندَ قيامِ القومِ بغصبِ الخلافةِ، وسلبِ أرضِ فدك، وهضمِ حقوقِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام)، وصدعَت بالحقِّ عندما كانَ عامّةُ الصحابةِ خامدينَ، واستنصرَتهم إذ كانوا خاملين، وأوضحَت لهم أنّ مسارَ الأمّةِ إلى انحراف، فعمدَت السلطةُ حينَها بالهجومِ على دارِها (عليها السلام) وقتلِ ولدِها المُحسنِ (عليهِ السلام) وإلى غيرِ ذلكَ منَ الشنائعِ والفظائعِ التي ارتكتبَتها.  فالسيّدةُ الزهراءُ (عليها السلام) كانَت صوتَ الحقِّ، وقد أريقَت دماؤها المقدّسةُ في سبيلِ إعلاءِ كلمةِ الحقّ، وتنبيهِ المُسلمينَ إلى خطورةِ الانقلابِ الحاصلِ والتحريفِ الواقع، ومنذُ ذاكَ الوقتِ أوضحَت بأقوالِها وأفعالها أنّ المُسلمينَ على مسارين: مسارُ حقٍّ تمثّلها هيَ وزوجُها أميرُ المؤمنينَ وأولادُها (عليهم السلام) وحواريُّهم (رضوانُ اللهِ عليهم)، ومسارٌ باطلٌ وتمثّلها السلطةُ وأتباعُها. فإعلانُ مظلوميّةِ السيّدةِ الزهراءِ (عليها السلام) هو بيانٌ للإسلامِ الأصيلِ وفصلٌ بينَ الحقِّ والباطل، وليسَت إثارةً لقضايا تاريخيّة محضةٌ لا تداعياتَ لها، بل إنّ إحياءَ مظلوميّتِها (عليها السلام) هوَ إحياءٌ للمنهجِ الصحيحِ والصراطِ المُستقيم، وتمييزٌ للقدواتِ الصالحةِ، فمظلوميّةُ الزهراءِ (عليها السلام) قضيّةٌ عقائديّةٌ معرفيّةٌ، تُعطي الإنسانَ بصيرةً في دينِه ومُعتقدِه، وليسَت قضايا تاريخيّةً مُحزنةً فحسب.  ولهذا نجدُ أنّ مثلَ الفقيهِ الكبير الميرزا جواد التبريزيّ (قدّس سرّه) يقولُ ـ في جوابِ استفتاءٍ حولَ ارتباطِ مظلوميّةِ الزهراءِ (عليها السلام) بالعقيدة ـ: « إنّ ما ثبتَ منَ الظُّلاماتِ الكثيرةِ التي جرَت على الصدِّيقةِ الزهراءِ فاطمة (سلامُ اللهِ عليها) لها مساسٌ تامٌّ بالولاية، التي هيَ الركُن الخامسُ مِن أركانِ الإسلام، كما هوَ صريحُ عدّةٍ منَ النصوصِ المُعتبرة، منها صحيحُ زرارة عن أبي جعفرٍ (عليهِ السّلام): « بُنِيَ الإسلامُ على خمسةِ أشياء على الصلاةِ والزكاةِ والحجِّ والصومِ والولاية »، ويظهرُ مساسُ هذه الظلاماتِ بالولايةِ لمَن تأمّلَ وتمعَّنَ في ملابساتِ هذه الحوادثِ ودوافعِها، واللهُ الهادي للصّواب » [صراطُ النجاة ج5 ص288]. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.