امتناع بعض الصحابة عن البيعة لأبي بكر لا يقدح في البيعة
أسد الحق/: هناك بعض الصحابة لم يبايعوا أبا بكر على الخلافة، وهم سلمان، والمقداد، وأبو ذر، وغيرهم, فهذا لا يقدح في البيعة، لأنها لا تحتاج إلى إجماع كل الناس، ولكن يكفي موافقة أهل الشوكة والجمهور الذي يقام بهم أمر الخلافة، يقول النووي: ((أما البيعة فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحّـتها مبايعة كل الناس، ولا كل أهل الحل والعقد، وإنما يشترط مبايعة من تيسر إجماعهم من العلماء والرؤساء ووجوه الناس)) مسلم مع الشرح جـ12 ص (112 ـ 113)، ويقول علي بن أبي طالب في كتب الرافضة: ((لعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتّى يحضرها عامَّة الناس، فما إلى ذلك سبيل (!!)، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، وليس للشاهد أن يرجع، ولا للغائب أن يختار)) نهج البلاغة جـ2 ص (368) ؟
بعد اعتراف أهل السنة أنه لا يوجد إجماع على خلافة أبي بكر بين الصحابة، ذهبوا إلى مصحح آخر لها، وهو قولهم ببيعة أهل الحل والعقد، واختلفوا هنا في تشخيص من هم أهل الحل والعقد، وكم عددهم، ومن أي بلد يكونون على مذاهب شتى.
قال الماوردي في (الأحكام السلطانية) ص 33: ((اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتى، فقالت طائفة: لا تنعقد إلا بجمهور أهل العقد والحل من كل بلد، ليكون الرضا به عاماً، والتسليم لإمامته إجماعاً، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر رضي الله عنه على الخلافة باختيار من حضرها، ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها )) .
وجاء عن الجويني المعروف بإمام الحرمين قوله: (( إعلموا أنه لا يشترط في عقد الإمامة الإجماع، بل تنعقد الإمامة وإن لم تجمع الأمة على عقدها، والدليل على أن الإمامة لما عقدت لأبي بكر، ابتدر لامضاء أحكام المسلمين، ولم يتأن لانتشار الأخبار إلى أن من الصحابة في الأقطار، ولم ينكر منكر .
فإذا لم يشترط الإجماع في عقد الإمامة، لم يثبت عدد معدود، ولا حد محدود، فالوجه: الحكم بأن الإمامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحل والعقد ))، راجع كتاب: الإرشاد للجويني ص 424.
وقال القرطبي في تفسيره ج1 ص 260: (( فإن عقدها واحد من أهل الحل والعقد، فذلك ثابت، ويلزم غيرها فعله، خلافاً لبعض الناس، حيث قال: لا تنعقد إلا بجماعة من أهل الحل والعقد، ودليلنا: أن عمر عقد البيعة لأبي بكر، ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك، ولأنه عقد، فوجب أن لا يفتقر إلى عدد يعقدونه كسائر العقود)). انتهى .
والملاحظ على هذه الكلمات من علماء أهل السنة:
1- أنه استدلال من يرى صحة خلافة أبي بكر، فهو من الإستدلال بالمدعى على نفس المدعى، وإثبات الشيء بنفسه، وهذا يسمى في اصطلاح أهل العلم بالدور، فكيف غاب هذا الأمر وطريقة الإستدلال غير المنتجة هذه عقلاً وشرعاً عن هؤلاء الأعلام ..لا ندري واقعاً !!.
وهذا هو جوابنا على صاحب السؤال هنا، وبقية الأجوبة إنما تمس روح هذا المطلب في كتب أهل السنة .
2- ذهولهم عن تلك المعارضات الكبيرة التي حصلت في حق خلافة أبي بكر من قبل الزبير، والحباب بن المنذر، وسعد بن عبادة، وابنه قيس، وعامة بني هاشم، وغيرهم مما ذكرهم المؤرخون في كتبهم، وصرحوا بأنهم عارضوا بيعة عمر لأبي بكر على الخلافة علانية .. فكيف ساغ لهؤلاء الأعلام من أهل السنة أن يقولوا: ((ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك )).. لا ندري واقعاً !!.
3- وعلى فرض أنه لم ينكر أحد من الصحابة على عمر بيعته لأبي بكر، فهذا يسمى في الإصطلاح إجماعاً سكوتياً، والإجماع السكوتي مختلف فيه على ثلاثة عشر قولاً عند أهل السنة، وهو ليس بحجة عند الكثير منهم، كما يذكر ذلك الشوكاني في كتابه (إرشاد الفحول) ص 84.
فكيف ساغ لهؤلاء الأعلام القول بحجيته هنا - وهو محل خلاف كبير بين أهل السنة أنفسهم - .. لا ندري واقعاً !!.
4 - ماذكره السائل من كلمات لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) في كتاب كان قد كتبه لمعاوية، يستفاد منها قبوله ببيعة أهل الحل والعقد، نقول: هذا الكتاب ورد على نحو الإلزام، وليس من باب بيان المشروعية لهكذا بيعة، وقد جاء هذا الإلزام ببيان صريح، كما يذكره الخوارزمي الحنفي في كتابه (المناقب) ص 202: ((ومن كتب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قبل نهضته إلى صفين، إلى معاوية لأخذ الحجة عليه: أما بعد. . لزمتك بيعتي بالمدينة وأنت بالشام، لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد )) .
فكلامه (عليه السلام) واضح هنا أنه يتحدث وفق منطق الإلزام، لا بمنطق المشروعية والإعتقاد، بمعنى: إن كنت يا معاوية ترى صحة خلافة الذين سبقوني لأنه بايعهم أهل الحل والعقد بالمدينة، فأنا أيضاً بايعني أهل الحل والعقد بالمدينة، فأنت ملزم ببيعتي لما أنت ملتزم به .
وهذه الطريقة من البيان في الإحتجاج توافق القواعد البلاغية التي توجب التكلم وفق مقتضى الحال، في الإتيان للمنكر بكل الوسائل الممكنة للإثبات .
فلا دليل في كلامه (عليه السلام) لما يريد البعض أن يتمسك به في المقام . وكلماته الكثيرة في (نهج البلاغة) كالخطبة الشقشقية ونحوها مثل قوله (عليه السلام) في نهج البلاغة نفسه: ((أن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم)) . تدل دلالة واضحة على أن الخلافة عنده (عليه السلام) إنما تنعقد بالنص لا بالشورى، ولا ببيعة أهل الحل والعقد .
اترك تعليق