هل الذبيح هو إسماعيل أو إسحاق؟
السؤال: يدّعي بعض المستشرقين وأهل الكتاب أنّ الذبيح هو إسحاق - عليه السلام -، وليس إسماعيل - عليه السلام - كما جاء في القرآن الكريم، ويهدفون من وراء ذلك إلى نفي نبوّة إسماعيل وبالتالي نفي نبوّة محمّد وفضله وفضل بني إسماعيل عموماً وتجريد العرب من كلّ فضل... فهل هناك دليل واضح يبيّن من هو الذبيح وحبّذا لو يكون الجواب يتضمّن مقارنة بين الأديان عن الموضوع.
الجواب:
المشهور بين المفسّرين بأنّ إسماعيل هو الذبيح اعتماداً على الكثير من القرائن التي تؤكّد ذلك، فالقرآن لم يذكر اسم الذبيح صريحاً، ولذا تجد بعض المفسّرين خالف المشهور بالقول: إنّ الذبيح هو إسحاق مثل الطبريّ، وفي الجملة يمكن القول: إنّ مفسّري أهل السنّة لم يجمعوا على أنّ الذبيح هو إسماعيل، فبعضهم ذهب إلى أنّه إسحاق ونقل ذلك عن بعض الشخصيّات كعمر بن الخطّاب، وسعيد بن الزبير، وكعب الأحبار، وقتادة، والزهريّ، ومالك بن أنس، والطبريّ. (الجامع لأحكام القرآن للقرطبيّ، ج16، ص100.).
إلّا أنّ المشهور بينهم هو إسماعيل بالاستناد إلى ما رواه أبو هريرة، وسعيد بن المسيّب، وعامر بن واثلة، وعبد الله بن عمر، وابن عباس، وآخرون، وقال فخر الرازيّ وابن عاشور: بأنّه يحتمل أن يكون الذبيح هو إسماعيل.
ومع أنّ إجماع مفسّري الشيعة على أنّ الذبيح هو إسماعيل إلّا أنّ هناك بعض الآراء والروايات التي تفيد بأنّه إسحاق، وقد قام العلّامة المجلسيّ بجمع كلّ ذلك في المجلّد الثاني عشر من بحار الأنوار، وبعد عرضها ومناقشتها رجّح بأنّ الذبيح هو إسماعيل، (بحار الأنوار، ج12، ص132 – 137)
ونكتفي هنا بما ذكره الشيخ مكارم الشيرازيّ في تفسيره الأمثل إذْ قال: "اختلف المفسّرون بشأن الولد الذي أمر إبراهيم بذبحه، هل كان (إسماعيل أم إسحاق) الذي لقّب بذبيح الله؟ إذْ إنّ هناك نقاشا بين المفسّرين، فمجموعة تقول: إنّ (إسحاق) هو (ذبيح الله) في حين أنّ مجموعة أخرى تعـدُّ (إسماعيل) هو الذبيح.
والتفسير الأوّل أكّد عليه الكثير من مفسّري أهل السنّة، فيما أكّد مفسّرو الشيعة على أنّ إسماعيل هو الذبيح.
وظاهر آيات القرآن الكريم المختلفة تؤكّد على أنّ إسماعيل هو ذبيح الله، وذلك للأسباب التالية:
أوّلاً: في إحدى آيات القرآن الكريم نقرأ وبشّرناه بإسحاق نبيّاً من الصالحين. هذه العبارة توضّح بصورة جيّدة، أنّ الله سبحانه وتعالى بشّر إبراهيم بولادة إسحاق بعد قضيّة الذبح، نتيجة تضحياته، ولهذا فإنّ قضيّة الذبح لا تخصّه أبدا، إضافة إلى أنّ الباري عزّ وجلّ عندما يبشّر أحداً بالنبوّة، فذلك يعني بقاء ذلك الشخص حيّاً، وهذا لا يتناسب مع قضيّة الذبح التي خصّت غلاماً.
ثانيا: نقرأ في الآية 71 من سورة هود، قوله تعالى: فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. هذه الآية توضّح أنّ إبراهيم كان مطمئّناً على بقاء ولده إسحاق، وأنّ الله سيرزق إسحاق ولدا اسمه يعقوب، وهذا يعني أنّ الذبح لا يشمله أبدا. فالذين اعتبروا إسحاق هو الذبيح، يبدو أنّهم لم يأخذوا بنظر الاعتبار حقيقة هذه الآيات.
ونقل عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حديث موثوق، جاء فيه: "أنا ابن الذبيحين" والمقصود من الذبيحين، الأوّل هو والده (عبد الله) الذي كان أبوه عبد المطّلب قد نذر بذبحه تقرّباً إلى الله تعالى والذي (فداه) بأمر من الله ب (100) بعير، وقصّته معروفة، والثاني هو (إسماعيل) لأنّ من الأمور الثابتة كون نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) هو من أبناء إسماعيل وليس من أبناء إسحاق.
وورد في الدعاء الذي رواه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، (يا من فدا إسماعيل من الذبح).
وجاء في روايات أخرى عن الإمامين المعصومين الباقر والصادق (عليهما السلام)، أنّهما أجابا عن أسئلة تستفسر عن الذبيح، فأجابا أنّه إسماعيل.
وجاء في حديث نقل عن الإمام الرضا (عليه السلام) "لو علم الله عزّ وجلّ شيئا أكرم من الضأن لفدى به إسماعيل".
خلاصة الأمر، هو أنّ الروايات والأحاديث التي وردت بهذا الشأن كثيرة، وإذا أردنا استعراضها جميعا، فإنّ البحث يتّسع كثيرا.
وفي مقابل هذه الروايات الكثيرة المتناسبة مع ظاهر الآيات القرآنيّة، هناك روايات شاذّة تدلّ على أنّ إسحاق هو المقصود (بذبيح الله) ولا تتطابق مع روايات المجموعة الأولى ولا مع ظاهر الآيات القرآنيّة.
وبغض النظر عمّا قيل، فهناك قضيّة مسلّم بها، وهي أنّ الطفل الذي جاء به إبراهيم مع أُمّه إلى مكّة المكرّمة بأمر من الله ثمّ تركهما هناك، وساعده من بعد في بناء الكعبة المشرّفة، وأدّى مراسم الطواف والسعي هو إسماعيل، وهذا يدلّ على أنّ الذبيح هو إسماعيل، لأنّ عمليّة الذبح تكمل الأعمال المذكورة أعلاه.
وممّا يذكر أنّ كتاب (التوراة) الحالي والمعروف بالعهد القديم يؤكّد على أنّ الذبيح كان إسحاق. هنا يستشفّ أنّ بعض الروايات الإسلاميّة غير المعروفة والتي تؤكّد على أنّ إسحاق هو (ذبيح الله) متأثّرة ببعض الروايات الإسرائيليّة، ويحتمل أنّ اليهود وضعوها، وذلك لأنّهم من ذريّة (إسحاق)، وقد حاولوا نسب هذا الفخر لهم، حتّى ولو كان عن طريق تزييف الوقائع والحقائق، وسلبه من المسلمين الذين كان نبيّهم نبيّ الرحمة (ص) أحد أحفاد إسماعيل.
على أيّة حال، فإنّ ظواهر آيات القرآن الكريم هي أقوى دليل لنا، إذْ توضّح بصورة كافية، أنّ الذبيح هو إسماعيل، رغم أنّه لا فرق بالنسبة لنا إنْ كان الذبيح إسماعيل أو إسحاق، فالاثنان هما أبناء إبراهيم (عليه السلام)، وكلاهما من أنبياء الله العظام، ولكن الهدف هو توضيح هذه الحادثة التاريخيّة" (الأمثل ج 14 ص 372 – 374).
وفي المحصلة: الخلاف في هذه المسألة وقع بين المسلمين أنفسهم ولم يقع بين المسلمين من جهة والمستشرقين واليهود من جهة أخرى، ومع أنّ الثابت عندنا هو إسماعيل إلّا أنْ القول: بأنّه اسحاق ليس فيه ما يشين المسلمين أو ينتقص من قدر النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، أو كما قال الشيخ مكارم الشيرازيّ: الاثنان هما أبناء إبراهيم (عليه السلام)، وإسماعيل عليه السلام هو الذي يزداد شرفاً بنسبة النبيّ الأعظم إليه.
اترك تعليق