رواية صعود الإمام الهادي "عليه السلام" إلى السّماء..!.

السؤال: (( أخي العزيز ، استفسرُ عن صحّة هذه الرواية: قال أبو جعفر: "حدّثنا عبد الله بن محمد، قال: حدّثنا عمارة بن زيد، قال: قلت لأبي الحسن علي "عليه السلام": أتقدرُ أن تصعدَ إلى السماء حتّى تأتيَ بشيءٍ ليس في الأرض لِنعلمَ ذلك..؟ ، فارتفع في الهواء وأنا أنظر إليه حتّى غاب، ثمَّ رجع ومعه طير من ذهب في أُذُنَيه أَشنفةٌ من ذهب، وفي منقاره دُرَّة، وهو يقول: لا إله إلّا الله، محمد رسول الله، عليٌ ولي الله، فقال: هذا طير من طيور الجنة. ثمَّ سَيَّبَه فَرَجَع" [نوادر المعجزات:ص185])).

: الشيخ فاروق الجبوري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم ،

الأخ السائل الكريم ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد.. تتطلّب الإجابة التامّة عن سؤالكم أن نتكلّم في ثلاث جهات:

الجهة الأولى: في مصادر الرواية ، فقد رواها الشيخ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريّ (الشيعيّ) في كتابيه المعروفين: ((دلائل الإمامة:ص413 ، ونوادر المعجزات:ص185))، ولم ترد في غيرها من المصادر الحديثيّة والروائيّة كالكافي والبصائر وغيرهما.

الجهة الثانية: في سند الرواية عبد الله بن محمّد البلويّ، وهو معروف عند علماء الرجال باختلاق الأسانيد - ومنها إسناد الرواية محلّ البحث كما سيتّضح - ، كما أنّه مشهور لديهم بوضع الأحاديث المكذوبة ، فقد قال عنه النجاشيّ في ترجمة محمّد بن الحسن بن عبد الله الجعفريّ: ((...، والبلويّ ضعيف مطعون عليه.))[رجال النجاشيّ:ص324] ، وقال ابن الغضائريّ: ((عبد الله بن محمّد بن عمر بن محفوظ البلويّ ، أبو محمّد المصريّ ، كذّاب ، وَضّاع الحديث ، لا يُلتفت إلى حديثه ولا يُعبأ به))[رجال ابن الغضائريّ:ص80] ، وقال السيّد الخوئيّ: ((...، ويأتي في ترجمة عمارة بن زيد الخيوانيّ ما يظهر منه كذب عبد الله بن محمّد البلويّ ، ووضعه للأحاديث))[معجم رجال الحديث: ج11،ص324].

وأمّا عمارة بن زيد الخيوانيّ ، فهو شخصيّة مجهولة تماماً ولا يُعرَفُ عنها إلّا الاسم فقط ؛ ولذا لم يذكره الشيخ الطوسيّ في رجاله ، وأمّا النجاشي فقد قال عنه: ((عمارة بن زيد ، أبو زيد الخيوانيّ الهمدانيّ: لا يُعرَف من أمره غير هذا. ذَكَرَ الحسين بن عبيد الله ، أنَّه سمع بعض أصحابنا يقول: سُئل عبد الله بن محمّد البلويّ عن عمارة بن زيد: "من هذا الذي حدّثك؟" قال: "رجل نزل من السّماء ، حدّثني ثمَّ عرج..!" ...))[رجال النجاشيّ:ص303] وقال ابن الغضائريّ: ((عمارة بن زيد الخيوانيّ المدنيّ: حليف الأنصار ، وهذا نسبه على ما زعمه عبد الله بن محمّد البلويّ المصريّ ، فإنَّه لا يُعرَفُ إلّا مِن جهته ، وقد سئل عنه ، فقيل له: "مَن عمارةُ هذا الذي تروي عنه..؟" ، فقال: "رجل نزل من السّماء فحدّثني ثمَّ عرج..!" ، وأصحابنا يقولون: إنَّه اسم ما تحتَه أحد ، وكلُّ ما يرويه كذبٌ ، والكذبُ بَيِّنٌ في وجه حديثه.))[رجال ابن الغضائريّ:ص77] ، وكما ترى فإنّ علماء الرجال قد صرّحوا بمجهوليّة عمارة بن زيد ، وذكروا أنّ علماء الطائفة ينفون وجود أحد تحت هذا الاسم ، وهو ممّا يعني أنّه من اختلاق البلويّ ؛ ولذا كان يجيب عندما يسألونه عنه بأنّه: رجل نزل من السّماء ..إلخ..!.

الجهة الثالثة: في متن الرواية ومضمونها، فالإسناد وإنْ كان ضعيفاً، إلّا أنّه لا مانع عقلاً وشرعاً من حصول مثل هذا الأمر لأحد الأئمّة الأطهار "عليهم آلاف التحية والسلام" فإن لهم عليهم السلام المكانة السامية والمنزلة الرفيعة، والولاية التكوينيّة، وصدرت منهم كثيرٌ من المعجزات، نقلها كثير من العلماء والمحدّثين، ويمكن مراجعة كتاب (مدينة المعاجز) للسيد هاشم البحرانيّ.

والحمد لله ربّ العالمين.