ما الفرقُ بينَ الفحشاءِ والمُنكر؟  

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكم ورحمة الله، 

جاءَ في لسانِ العربِ لابنِ منظور في مادّةِ (فحش) عن ابنِ سيّدِه، أنّ الفُحشَ والفحشاءَ والفاحشةَ هوَ القبيحُ منَ القولِ والفعل، وجمعُها الفواحش.   

وفي كتابِ (مجمعِ البحرين، ج ٤، الشيخُ فخرُ الدينِ الطريحي، ص ١٤٦وما بعدَها) بيّنَ الشيخُ مواردَ كلمةِ الفحشاءِ في القرآنِ الكريم، إذ قالَ في مادّةِ (فحش):  

قولهُ تعالى: (واللّاتي يأتينَ الفاحشةَ مِن نسائِكم فأمسكوهنَّ في البيوتِ حتّى يتوفاهنَّ الموتُ أو يجعلَ اللهُ لهنَّ سبيلاً). قيلَ: المرادُ بالفاحشةِ المُساحقةُ والأكثرونَ المُرادَ بها الزّنا. 

قوله تعالى: (فأمسكوهنَّ في البيوت). قيلَ: المرادُ صيانتهنَّ عَن مثلِ فعلهنَّ ، فالإمساكُ كنايةٌ عنه ، والأكثرُ أنّه على وجهِ الحدِّ في الزّنا ، وكانَ ذلكَ في أوّلِ الإسلامِ ثمَّ نُسخَ بآيةِ الجلد .  

قولهُ تعالى : (إلّا أن يأتينَ بفاحشةٍ مُبيّنةٍ). قيلَ: معناهُ إلّا أن يزنينَ فإنّها تُخرَجُ ليُقامَ عليها الحدُّ ، وقيلَ إلّا أن تظهرَ بأذىً تُؤذي بهِ زوجَها ، وقيلَ إلّا أن يرتكبنَ الفاحشةَ بالخروجِ بغيرِ إذن . وقد يرادُ بالفاحشةِ النشوزُ وسوءُ العشرة .  

قوله تعالى: (الذينَ يجتنبونَ كبائرَ الإثمِ والفواحشَ إلّا اللمم). أرادَ بها الزّنا والسرقة.  

قولهُ : (إنّما حرّمَ ربّي الفواحشَ ما ظهرَ منها وما بطن). الفواحشُ : المعاصي والقبائحُ ما ظهرَ منها وما بطن ، مثلَ قولِه وذروا ظاهرَ الإثمِ وباطنَه .  

قوله : (ويأمرَكم بالفحشاءِ). الفحشاءُ : الفاحشةُ وكلُّ مُستقبحٍ منَ الفعلِ والقول ، ويقالُ يأمرُكم بالفحشاءِ أي البخل ، ويقالُ للبخلِ فاحشٌ وكلُّ سوءٍ جاوزَ حدَّه فهوَ فاحش .  

وفحشَ الشيءُ فُحشاً مثلَ قبحَ قُبحاً (وزناً ومعنىً)، وفي لغةٍ مِن بابِ قتل.  

وفي الخبرِ المرويّ في الكافي (2/244): إنّ اللهَ يبغضُ الفاحشَ المُتفحّشَ. الفاحشُ ذو الفُحشِ في كلامِه وفِعاله ، والمُتفحّشُ مَن يتكلّفُه ويتعمّده. قالَ في النهاية : قد تكرّرَ ذكرُ الفُحشِ والفاحشةِ والفواحشِ في الحديث ، وهوَ كلُّ ما يشتدُّ قبحُه منَ الذنوبِ والمعاصي .  

وَأمّا المُنكَرُ لُغَةً: فهوَ الأَمرُ القَبِيحُ.  

وفي الاصطِلَاحِ: المُنكَرُ مَا لَيسَ فِيهِ رضا اللَّهِ مِن قَولٍ أَو فِعل.  

فَالنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ في الاصطِلَاحِ: طَلَبُ الكَفِّ عَن فِعلِ مَا لَيسَ فِيهِ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى.  

وفي كتابِ (مفرداتِ ألفاظِ القرآنِ، الرّاغبُ الأصفهاني، ص ٨٢٣).  

الإِنكَارُ: ضِدُّ العِرفَانِ . يقالُ : أَنكَرتُ كذا ، ونَكَرتُ ، وأصله أن يَرِدَ على القَلبِ ما لا يتصوَّره ، وذلك ضَربٌ من الجَهلِ . قال تعالى : * ( فَلَمَّا رَأى أَيدِيَهُم لا تَصِلُ إِلَيه نَكِرَهُم ) * [ هود / 70 ] ، * ( فَدَخَلُوا عَلَيه فَعَرَفَهُم وهُم لَه مُنكِرُونَ ) * [ يوسف / 58 ] وقد يُستعمَلُ ذلك فيما يُنكَرُ باللَّسانِ ، وسَبَبُ الإِنكَارِ باللَّسانِ هو الإِنكَارُ بالقلبِ لكن ربّما يُنكِرُ اللَّسانُ الشيءَ وصورتُه في القلب حاصلةٌ ، ويكون في ذلك كاذباً . وعلى ذلك قوله تعالى : * ( يَعرِفُونَ نِعمَتَ الله ثُمَّ يُنكِرُونَها ) * [ النحل / 83 ] ، * ( فَهُم لَه مُنكِرُونَ ) * [ المؤمنون / 69 ] ، * ( فَأَيَّ آياتِ الله تُنكِرُونَ ) * [ غافر / 81 ] والمُنكَرُ : كلُّ فِعلٍ تحكُم العقولُ الصحيحةُ بقُبحِه ، أو تتوقَّفُ في استقباحِه واستحسانه العقولُ ، فتحكم بقبحه الشّريعة ، وإلى ذلك قصد بقوله : * ( الآمِرُونَ بِالمَعرُوفِ والنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ ) * [التوبة / 112 ] ، * ( كانُوا لا يَتَناهَونَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوه ) * [ المائدة / 79 ] ، * (ويَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ ) * [ آل عمران / 104 ] ، * ( وتَأتُونَ فِي نادِيكُمُ المُنكَرَ ) * [ العنكبوت / 29] وتَنكِيرُ الشَّيءِ من حيثُ المعنى جعله بحيث لا يُعرَفُ . قال تعالى : * ( نَكِّرُوا ) * لَها عَرشَها [ النمل / 41 ] وتعريفُه جعلُه بحيث يُعرَفُ .  

وهذا الذي ذكرناهُ عن الفحشاءِ والمُنكرِ إنّما هوَ رأيُ جمهورِ أهلِ العلمِ منَ الفُقهاءِ والمُفسّرينَ والأصوليّينَ مِن مُختلفِ المذاهبِ الإسلاميّة، ودمتُم سالِمين.