هل يعلمُ اللهُ بمعصيةِ ابليس ؟

هل كانَ اللهُ يعلمُ أنَّ ابليسَ سيعصيه؟ إذا كانَ نعم فهل أرادَ اللهُ ذلك؟ إذا كانَ نعم، اذاً اللهُ هوَ غيرُ مُطلقِ الخيرِ وإذا لم يُرِد اللهُ ذلكَ إذن إرادتُه غيرُ مُطلقةٍ، أمّا إذا لم يعلَم اللهُ بعصيانِ ابليس إذاً هوَ كيانٌ غيرُ مُطلقٍ، إذا لماذا هوَ إله؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : لكي يرتفعَ الإشكالُ الذي ارتسمَ في ذهنِ السائلِ لابدَّ مِن بيانِ العلاقةِ بينَ العلمِ والإرادة، فكلُّ ما ذكرَه السائلُ يقومُ على جعلِ الإرادةِ تابعةَ للعلمِ بشكلٍ مُطلق، أي كلُّ ما يعلمُه اللهُ يريدُه، وهذا لا يمكنُ التسليمُ به على إطلاقِه، فهناكَ فرقٌ بينَ الإرادةِ التكوينيّةِ والإرادةِ التشريعيّة، فإذا تعلّقَت إرادةُ اللهِ تعالى بالفعلِ مُباشرةً دونَ توسّطِ إرادةِ المخلوقِ تسمّى إرادةً تكوينيّةً، مثلَ خلقِ السماواتِ والأرض وخلقِ الإنسانِ وجميعِ ما يقعُ في عالمِ الخلقِ والإبداع، وعليهِ فإنَّ الإرادةَ التكوينيّةَ تتعلّقُ بالفعلِ مُباشرةً دونَ توسّطِ أيّ إرادةٍ أخرى قالَ تعالى: (إِنَّمَا أَمرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، وبذلكَ يتّضحُ تبعيّةُ الإرادةِ التكوينيّةِ لعلمِه تعالى، فلا يكونُ فعلهُ تعالى إلّا بعدَ علمِه به.  أمّا الإرادةُ التشريعيّةُ فهيَ ما يريدُ اللهُ منَ العبدِ أن يفعلَه، ولذلكَ لا تتعلّقُ إرادةُ اللهِ بنفسِ الفعلِ في الخارجِ وإنّما تتعلّقُ بإرادةِ المُكلّف، والمكلّفُ بينَ خيارين بينَ الفعلِ والترك، وبمعنىً آخر فإنَّ تحقّقَ الفعلِ في الخارجِ يكونُ عبرَ وسيطٍ آخر وهوَ إرادةُ المُكلّف، ومِن هُنا فإنَّ أوامرَ اللهِ لعبادِه تقفُ عندَ حدودِ البعثِ والحثِّ على الفعلِ ولا علاقةَ لها بتحقّقِ الأفعالِ فعليّاً، كما تقفُ نواهيه عندَ حدودِ الزجرِ والتحذيرِ ولا علاقةَ لها بعدمِ تحقّقِها في الواقعِ، فمثلاً الأمرُ بالصلاةِ لا يتعلّقُ بنفسِ فعلِ الصلاةِ في الخارج؛ وإلّا كانَ وقوعُها منَ المُكلّفِ أمراً حتميّاً لا خيارَ معه، وبالتالي الإرادةُ التشريعيّةُ تتعلّقُ بإرادةِ طرفٍ آخر ولا علاقةَ لها بعلمِ الله، فكونُ اللهِ يعلمُ بعدمِ استجابةِ العبدِ لأمرِه ليسَ لهُ أيُّ تأثيرٍ على إرادةِ المُكلّف. ومِن ذلكَ يتّضحُ أنَّ خلقَ إبليس وجعلهُ موجوداً له علاقةٌ بالإرادةِ التكوينيّة أمّا ما يفعلهُ إبليسُ لهُ علاقةٌ بالإرادةِ التشريعيّة، ولذا هناكَ فرقٌ بينَ سؤالين، الأوّلُ: هل كانَ اللهُ يعلمُ بخلقِ ابليس قبلَ أن يخلقَه؟ والثاني: هل كانَ اللهُ يعلمُ بمعصيةِ ابليس قبلَ صدورِها منه؟ فمعَ وجودِ تشابهٍ شديدٍ بينَهما إلّا أنّهما يختلفانِ اختلافاً كبيراً، ففي السؤالِ الأوّلِ خلقُ ابليس معلولٌ لعلمِه تعالى، ولا يمكنُ تصوّرُ وجودِه دونَ علمِه تعالى، بينَما في السؤالِ الثاني معصيةُ ابليس ليسَت معلولةً لعلمِه تعالى، أي أنَّ علمَه تعالى بما يفعلهُ ابليس لا تأثيرَ له على خياراتِ إبليس. وإذا فهمنا كلَّ ما سبقَ تكونُ الأجوبةُ على إشكالاتِ السائلِ واضحةً، فقوله: (هل كانَ اللهُ يعلمُ أنَّ ابليسَ سيعصيه؟) الإجابةُ نعم كانَ يعلمُ ذلكَ دونَ أن يكونَ علمُه مُصادراً لإرادةِ ابليس، أو يكونَ علمُه هوَ الموجود للمعصيةِ في الواقع، وبذلكَ ينتفي السؤالُ الثاني وهوَ قوله: (إذا كانَ نعم فهل أرادَ اللهُ ذلك؟) إذا كانَ يقصدُ بالإرادةِ نفسَ حدوثِ الأمرِ في الواقعِ وهو صدورُ المعصية، فإنَّ ذلكَ غيرُ واردٍ منَ الأساسِ لأنَّ الإرادةَ هُنا إرادةُ تشريعٍ وليسَت إرادةَ تكوين وبالتالي هيَ تقفُ عندَ حدودِ الزجرِ والنهيّ والتحذيرِ وهذا قد تحقّق، أمّا ارتكابُ نفسِ المعصيةِ فهوَ أمرٌ متعلّقٌ بإرادةِ ابليس. وبذلكَ تتّضحُ أيضاً الإجابةُ على السؤالِ الثالثِ وهوَ قوله: (إذا كانَ نعم إذاً اللهُ هوَ غيرُ مُطلقِ الخير) استنتاجٌ غيرُ صحيحٍ فاللهُ كلّفَ ابليس بالخيرِ في حينِ أنَّ إبليس هوَ الذي اختارَ الشر، فالشرُّ لم يصدُر منَ اللهِ وإنّما صدرَ مِن إبليس، فمعَ أنَّ اللهَ نهاهُ عنه وحذّرَه مِن ارتكابِه وعاقبَه على فعله، إلّا أنّه تمرّدَ على أمرِه ونهيه وارتكبَ المعصية. وبذلكَ يبطلُ السؤالُ الرابعُ وهوَ قوله: (وإذا لم يُرِد اللهُ ذلكَ إذَن إرادتُه غيرُ مُطلقةٍ) بل إرادةُ اللهِ مُطلقةٌ سواءٌ كانَت تكوينيّةَ أو تشريعيّة ففي الأولى يتحقّقُ الفعلُ في الخارجِ حتماً، وفي الثانيةِ يتحقّقُ البعثُ والحثُّ أو الزجرُ والتحذيرُ وهوَ حدودُ الإرادةِ التشريعيّة. أمّا سؤالهُ الأخيرُ فقد قُلنا إنَّ اللهَ يعلمُ بعصيانِ إبليس إلّا أنَّ علمَه بذلكَ لا علاقةَ له بنفسِ صدورِ المعصيةِ مِن إبليس.