مصادر حديث (لعن الله من تخلف عن جيش أسامة).

أكرم/العراق/: اختلق الشيعة حديثاً يقول: «لعن الله من تخلف عن جيش أسامة» يهدفون من ورائه إلى لعن عمر! وفاتهم أنه يلزمهم أمران:      الأول: أن يكون علي لم يتخلف، وهذا اعتراف منه بإمامة أبي بكر؛ لأنه رضي أن يكون مأموراً لأمير نَصّبه أبو بكر!      الثاني: أو يقولون: بأنه تخلف عن الجيش، فيلحقه ما كذبوه!

: اللجنة العلمية

    الأخ أكرم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: 

    هذا الحديث الذي ذكرته لم يختلقه الشيعة، فهو موجود ٌ في المصادر السنّية مسنداً ومرسلاً كإرسال المسلمات، وإليك البيان:

1- رواه الجوهري في كتابه "السقيفة وفدك"، ص76، عن أحمد بن إسحاق بن صالح، عن أحمد بن سيار، عن سعيد بن كثير الأنصاري، عن رجاله، عن عبد الله بن عبد الرحمن(1).

2- رواه عن الجوهري بالسند المتقدم ابن أبي الحديد المعتزلي في "شرح نهج البلاغة"(2).

3- وذكره مرسلاً الشهرستاني في "الملل والنحل"، حيث أرسله في المقدمة الرابعة إرسال المسلمات(3). 

4- وذكره مرسلاً الأيجي في كتابه "المواقف"(4). 

5- وذكره الآمدي في "أبكار الأفكار"(5).

      وكما ترى أن كل هؤلاء هم من أهل السنة ولا يوجد فيهم شيعي واحد، ومن قال لك غير ذلك فهو جاهلٌ لا يعرف عقائد الناس ومذاهبهم.

     هذا من حيث أصل الحديث ووجوده في كتب أهل السنة ومصادرهم بفقرته هذه: (لعن الله من تخلف عن جيش أسامة) أو: (ملعون من تخلف عنه). 

     أما دعوى الإلزام التي جئت بها بقولك: "وفاتهم أنه يلزمهم أمران: أن يكون علي لم يتخلف، وهذا اعتراف منه بإمامة أبي بكر؛ لأنه رضي أن يكون مأموراً لأمير نَصَّبه أبو بكر! ، أو يقولون بأنه تخلّف عن الجيش، فيلحقه ما كذبوه"!

     فهذه من عجائب الإلزامات واقعاً التي لا نعرف لها وجهاً البتة!

     فأين وجه الإلزام فيها يا ترى؟! دلّنا عليه رجاءً؟ 

وكيف يتمُّ بها الاعتراف بإمامة أبي بكر؟! لا ندري واقعاً. 

 ومتى نُصِّب أبو بكر أميراً على علي (عليه السلام)؟! لا ندري أيضاً.

     وهل ثبت وجود علي (عليه السلام) في هذا الجيش حتى يكون مشمولاً باللعن لتخلفه عنه؟! لم يخبرنا أحدٌ بذلك. 

     فكل هذا الذي تذكره هو عبارة عن تسويلات وخيالات لا واقع لها؛ لأن الذي نَصّب أسامة أميراً على جيشٍ فيه أبو بكر وعمر هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس أبو بكر، نصّ على ذلك كلّ من ذكر سرية أسامة، كالذهبي في "تاريخ الإسلام"(6)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(7)، وابن حجر في "فتح الباري"(8)، وعلي بن برهان الدين الحلبي الشافعي في "السيرة الحلبية"(9)، و"كشف المشكل" لابن الجوزي(10)، و"الكامل في التاريخ" لابن الأثير(11)، و"تحفة الأحوذي" (12)، وغيرهم.

     وهذا نصّ عبارة ابن سعد في الطبقات: 

(لما كَانَ يوم الاثنين لأربع ليالٍ بقين من صفر سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناس بالتهيؤ لغزو الروم. فلمّا كَانَ من الغد دعا أسامة بن زيد [فَقَالَ: سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فأغر صباحاً عَلَى أهل أبنى وحرق عليهم وأسرع السير تسبق الأخبار. فإن ظفرك اللَّه فأقلل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدّم العيون والطلائع أمامك] . فلما كَانَ يوم الأربعاء بدئ برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحمَّ وصدع. فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواءً بيده ثُمَّ [قَالَ: اغز بسم اللَّه فِي سبيل اللَّه فقاتل من كفر بالله!] فخرج بلوائه معقوداً فدفعه إلى بريدة بْن الحصيب الأسلمي وعسكر بالجرف فلم يبق أحدٌ من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب فِي تلك الغزوة فيهم أَبُو بَكْر الصديق وعمر بْن الْخَطَّاب وأبو عُبَيدة بْن الجراح وسعد بْن أَبِي وقاص وسعيد بْن زَيْد وقتادة بْن النعمان وسلمة بْن أسلم بْن حريش).

     وهذه نص عبارة ابن حجر في الفتح:

     (وَذكره بن إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ الْمَشْهُورَةِ وَلَفْظُهُ بَدَأَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَأَصْبَحَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَعَقَدَ لِأُسَامَةَ فَقَالَ اغْزُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَسِرْ إِلَى مَوْضِعِ مَقْتَلِ أَبِيكَ فَقَدْ وَلَّيْتُكَ هَذَا الْجَيْشَ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِيهَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ إِلَّا انْتُدِبَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ).

     وهذه نص عبارة المباركفوري في "تحفة الأحوذي": 

     (وعند النسائي عن عَائِشَةَ قَالَتْ مَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي جَيْشٍ قَطُّ إِلَّا أَمَّرَهُ عَلَيْهِمْ (وَايْمُ اللَّهِ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَقِيلَ قَطْعٍ أَيْ وَاللَّهِ (إِنْ) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ أَيِ الشَّأْنُ (كَانَ) أَيْ أَبُوهُ (لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ) أَيْ لَجَدِيرًا وَحَقِيقًا لَهَا لِفَضْلِهِ وَسَبْقِهِ وَقُرْبِهِ مِنِّي (وَإِنْ كَانَ) أَيْ أبوه وإن هَذِهِ أَيْضًا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ (وَإِنَّ هَذَا) أَيْ أُسَامَةَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَفِيهِ جَوَازُ إِمَارَةِ الْمَوْلَى وَتَوْلِيَةِ الصِّغَارِ عَلَى الْكِبَارِ وَالْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَر).

     وتخلُّفُ أبي بكرٍ وعمر عن هذا الجيش ذكرته المصادر السنية أيضاً، قال أحمد بن زيني دحلان في "السيرة النبوية"، ج2 ص 145: ((فلا منافاة بين ما روي أن أبا بكر (رض) كان من ذلك الجيش، ومن روى أنّه تخلف، لأنّه كان من الجيش أولاً، ثم تخلّف لما استثناه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأمره بالصلاة بالناس)).

     وهو نفسه الذي صرّح به الحلبي في سيرته الحلبية ج3، ص292.

     وموضوع الصلاة المزعومة هذه تحدثنا عنه كثيراً وقلنا: هي لم تثبت لمحل الاضطراب الكبير فيها، وقد اتّفق العلماء على عدم الأخذ بالحديث المضطرب، فراجع أجوبتنا على الموقع.

     وأما أن علياً (عليه السلام) لم يكن في تلك السرية، فَلِمَا ثبت بالدليل الصحيح أنه (عليه السلام) كان أقرب الناس عهداً برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيام مرضه وساعة وفاته، فقد روى أحمد وأبو يعلى والطبراني والحاكم – واللفظ له – والذهبي:

 (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: وَالَّذِي أَحْلِفُ بِهِ إِنْ كَانَ عَلِيٌّ لَأَقْرَبَ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عُدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً وَهُوَ يَقُولُ: «جَاءَ عَلِيٌّ؟ جَاءَ عَلِيٌّ؟» مِرَارًا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَأَنَّكَ بَعَثْتَهُ فِي حَاجَةٍ، قَالَتْ: فَجَاءَ بَعْدُ، قَالَتْ أَبِي سَلَمَةَ: فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ حَاجَةً، فَخَرَجْنَا مِنَ الْبَيْتِ فَقَعَدْنَا عِنْدَ الْبَابِ، وَكُنْتُ مِنْ أَدْنَاهُمْ إِلَى الْبَابِ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ يُسَارُّهُ وَيُنَاجِيهِ، ثُمَّ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، فَكَانَ عَلِيٌّ أَقْرَبَ النَّاسِ عَهْداً)(13).

وهذا الحضور والتواجد من علي (عليه السلام) عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيام مرضه واحتضاره لا يتناسب وتواجده في سرية أسامة التي شهد المؤرخون أنها جهزت أيام مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووفاته.

     فكيف مع كل هذه الحقائق تريد أن تثبت إلزاماتك المتقدمة؟!

     فهذه الإلزامات -واقعاً- ليست سوى خيالات وتسويلات موجودة في أذهان من لا يعرف شيئاً عن تاريخه، فضلاً عن تاريخ غيره ومخالفيه حتى ينبزهم بالوضع والاختلاق!

     نسأل الله العافية من أمراض الوهم هذه.

_______________________

(1)- السقيفة وفدك للجواهري، طبعة شركة الكتبي، تحقيق محمد هادي الأميني، ص76.

(2)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، طبعة مكتبة آية الله المرعشي النجفي، الطبعة الأولى 1404هـ، تحقيق محمد أبو فضل ابراهيم، ج6، ص53.

(3)- الملل والنحل للشهرستاني، طبعة مؤسسة الحلبي، ج1، ص21.

(4)- المواقف للإيجي، طبعة دار الجيل، تحقيق عبد الرحمن عميرة، الطبعة الأولى 1997، ج3، ص650.

(5)- أبكار الأفكار في أصول الدين للآمدي، طبعة دار الكتب والوثائق القومية في القاهرة، تحقيق أحمد محمد المهدي، الطبعة الثانية 2004، ج5، ص37.

(6)- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام للذهبي طبعة  دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية1993، تحقيق عمر عبد السلام التدمري، ج2، ص714.

(7)- الطبقات الكبرى لابن سعد، طبعة دار الكتب العلمية، تحقيق محمد عبد القادر عطا، الطبعة الأولى 1990م، ج2، ص145.

(8)- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر، طبعة دار المعرفة، ج8، ص158.

(9)- السيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الحلبي، طبعة دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 1427هـ، ج3، ص291.

(10)- كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي، طبعة دار الوطن، ج2، ص560.

(11)- الكامل في التاريخ لابن الأثير، طبعة دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1997، تحقيق عمر تدمري، ج2، ص194.

(12)- تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري، طبعة دار الكتب العلمية، ج10، ص217.

(13)- مسند أحمد ، طبعة مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى2001، ج44، ص190.

والمستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، طبعة دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1990 ، تحقيق قادر عطا، ج3، ص149.

ومجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي، طبعة مكتبة القدسي، تحقيق حسام الدين القدسي، ج9، ص112، قال الهيثمي: "رواه أحمد وأبو يعلى، والطبراني باختصار، ورجالهم رجال الصحيح غير أم موسى، وهي ثقة".