ما هو تعريف الإلحاد وما هي التيارات المنتمية إليه؟

: اللجنة العلمية

الإلحاد في اللغة العربية يعني المَيْلُ عن القصْدِ كما جاء في لسان العرب، أما في الاصطلاح فيُقْصَدُ به إنكارُ وجودِ خالقٍ عظيمٍ لهذا الوجودِ والكون، وبالتالي الإنسانُ المُلحِدُ هو الذي لا يعتَقِدُ بوجودِ إله، والمبررُ الفلسفيُّ الذي يرتكزُ عليه الإلحادُ هو عدمُ امتلاكِ الإنسانِ القدرةَ العلمية التي تمكّنُهُ من أثباتِ وجودِ الله، وعليه فالتياراتُ الإلحاديةُ هي تياراتٌ ماديةٌ لا تؤمنُ بشيءٍ خارجَ حدود المادة.

 ويظهر الإلحاد ضمنَ عناوينَ متعددةٍ، بعضُها معرفيٌّ يهتم بإمكانية التعرف على حقيقةٍ خارجةٍ عن إطارِ المادة، وبعضُها الآخرُ يرتكزُ على مبرراتٍ حضاريةٍ واجتماعيةٍ وسياسيةٍ. وقد كان للإلحادِ القديم علاقةٌ بالبحوث الفلسفية التي تناقشُ إثباتَ الخالق بشكلٍ عقليٍّ، وعليه لم يكن الإلحادُ حركةً شعبيةً عامة، وإنما كان يتحركُ ضمنَ دوائرَ أكاديميةٍ خاصة.

 ومع أن بعض الفلاسفةِ عبَّر عن شكِّه بوجود إله، إلا أن الاتجاهَ العامَ كان يدافع عن وجوده، يقول فرانسيس بيكون: (إن القليلَ من الفلسفةِ يميلُ بعقلِ الإنسانِ إلى الإلحاد، ولكنَّ التعمّقَ فيها ينتهي بالعقولِ إلى الإيمان)(1). 

بل حتى الذين توصلوا إلى قناعةٍ بعدمِ وجود إلهٍ كانوا يتعاملونَ باحترامٍ مع فكرة الإيمان بالله، وحاول بعضُهم إيجادَ تبريراتٍ وجدانيةٍ وقلبيةٍ للذين يؤمنون بوجوده، كما صنع باسكال الفيلسوف الفرنسي، الذي كان يقول: "إن القلب هو الذي يستَشْعِرُ اللهَ لا العقل، هذا هو الإيمان، اللهُ محسوسٌ للقلبِ لا للعقل"(2)

 ومع أنَّ باسكال جعل الإيمانَ بالله قضيةً قلبيةً لا علاقة لها بالبرهانِ العقليِّ، إلا أنه أوجد دليلاً يُسمَّى برهان باسكال، حيث جعلَ الإيمانَ بالله رهاناً رابحاً سواء كان موجوداً أو غير موجود؛ لأن هناك احتمالاً بوجوده، وبالتالي عدمُ الإيمانِ به يؤدي إلى خسارةٍ كبيرةٍ في الآخرة، ورِبْحٍ يسيرٍ في الدنيا، ولكنَّ الإيمانَ به يحققُ الربحَ الكبيرَ في الآخرة، مع خسارةٍ محدودةٍ في الدنيا. وقد يقتربُ هذا الموقفُ من الفلسفة اللاأدرية، التي لا تتبنى الإيمانَ باللهِ وفي الوقتِ نفسِهِ لا تتبنى الإلحاد، وقد عبَّر جورج سنتيانا الفيلسوف الاسباني الأمريكي عن هذا الموقف بقوله: الدين (غلطةٌ جميلةٌ أكثرُ ملائمةً لنوازعِ النَّفس ومن الحياة نفسها)(3) ، فقد كان يميل إلى الإيمان شعورياً، لكن يكفر به عقلياً.

وفي العصر الحديث ظهر تيَّارٌ إلحاديٌّ أكثرَ تطرفاً وعدوانية، وقد اصطُلِحَ عليه بالإلحاد الجديد، فبعد أن كان الخطابُ الإلحاديُّ التقليديُّ متسامحاً مع الدين، أو على الأقل يتَّخذُ حياله موقفَ الحياد، جاء الإلحادُ الجديدُ بخطابٍ يحملُ هَمَّ التخلُّصِ من الإيمان بالله بوصفه شراً مطلقاً يهدِّدُ البشرية، وبالتالي فدوافعُ الإلحادِ الجديدِ هي دوافعُ نفسيةٌ ذاتيةٌ لا علاقة لها بالعلمية والعقلية.

 يقول نيافة الأنبا غريغوريوس: (الإلحادُ المعاصرُ ليس إلحادًا عقلانيًا، ولا فلسفيًا، ولا منطقيًا، ولا علميًا.. إنما هو إلحادُ تصميم.. تصميمٍ على الرفض لفكرة الله.. وذلك بسبب خبرةٍ حزينةٍ عند بعضِ الأفراد أو عند بعضِ الشعوب، خبرةٍ مؤلمةٍ وقاسيةٍ عن الدينِ والمتدينينَ، أو عن الملوكِ والحكامِ الذين يتخذونَ الدينَ غلافًا يغلِّفون به تصرفاتَهم ويستندونَ فيها كذباً وبهتاناً إلى الله)(4).

ويمكننا أن نخلُصَ إلى أن تعريفَ الإلحادِ هو عدمُ الإيمانِ بالله أو بأيِّ سلطةٍ غيبيةٍ، أما التياراتُ التي تُلْحَقُ به، فهم اللا أدرية وهو تيارٌ لا يجزمُ بالحقيقة بل في حالةٍ من التردد الدائم، فلا يؤمنُ بالله ولا ينفي وجودَهُ أيضاً.

كما أن التيارات اللادينية يمكن تصنيفُها من التيارات التي تُلحَقُ بالإلحاد كونها تشترك مع الإلحاد بعدمِ الإيمان بوجود أديانٍ حتى إن كانت لا تعترضُ على وجود إله. 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رمسيس عوض - الإلحاد في الغرب ص 58 

(2) التوضيح في التمييز بين الباطل والصحيح، د منير محمود المسيري، مكتبة وهبة عابدين مصر، ص 44

(3) المصدر السابق ص 44

(4) الإلحاد المعاصر وكيف نجابهه ص 17