ما هو الطاغوت عند مذهب اهل البيت (ع) وهل المال والشيطان والاوثان والتفاخر والعجب وهوى النفس والحاكم الظالم يصح ان يطلق عليهم الطاغوت؟
السلام عليكم ورحمة الله
الطّاغوتُ في اللّغةِ منَ الفعلِ طغى، ومضارعُه يطغى، ومنها قولُه تعالى: (إذهَب إلى فرعونَ إنّهُ طغى)، وقولُه: (فأمّا مَن طغى * وآثرَ الحياةَ الدُّنيا)، ويقولُ الإمامُ أميرُ المُؤمنينَ (عليه السّلام): (ما أسرعَ صرعةَ الطّاغي)، وقولُه: (الظّالمُ طاغٍ ينتظرُ إحدى النّقمتينِ) ومِن خلالِ هذا الجذرِ اللّغويّ يتّضحُ أنَّ الطّغيانَ هوَ تجاوزُ الحدِّ، ومَن جاوزَ الحدودَ في عصيانِه يُدعى طاغٍ. وقَد وردَ لفظُ الطّاغوتِ في القُرآنِ ثمانيَ مرّاتٍ، الأولى: (فمَن يكفُر بالطّاغوتِ ويؤمِن باللهِ). والثّانيةُ: (والذينَ كفروا أولياؤهم الطّاغوتُ). والثّالثة: (يؤمنونَ بالجبتِ والطّاغوت). الرّابعةُ: (يريدونَ أن يتحاكموا إلى الطّاغوت). الخامسةُ: (يقاتلونَ في سبيلِ الطّاغوتِ). السّادسةُ: (وعَبَدَ الطّاغوتِ). السّابعةُ: (واجتنبوا الطّاغوتَ). الثّامنةُ: (والذينَ اجتنبوا الطّاغوتَ) ويتّضحُ مِن ذلكَ أهمّيّةُ معرفةِ الطّاغوتِ لضرورةِ الحذرِ منه، فقَد جعلَتِ الآياتُ الطّغيانَ واتّباعَ الطّاغوتِ مُنافياً ومُناقِضاً للإيمانِ باللهِ تعالى، ويبدو أنَّ الإنسانَ يستحقُّ وصفَه بالطّاغوتِ عندَما يصبحُ الطُّغيانُ الصّفةَ الغالبةَ في سلوكِه، وبما أنَّ الطّغيانَ هوَ تجاوزُ الحدودِ فإنَّ الذّنوبَ والمعاصي تعدُّ طُغياناً وتحدّيّاً للهِ تعالى، فليحذَر الإنسانُ مِن تعمُّدِ إرتكابِها أو التّمادي بفعلِ ما يُسخطُ الرّبَّ سُبحانَه وتعالى، وقَد جعلَ اللهُ التّوبةَ والإستغفارَ كفّارةً لهذا النّوعِ منَ الطّغيانِ، أمّا الغارقُ في الذّنوبِ والمُتعمِّدُ لسخطِ اللهِ تعالى فهوَ طاغوتٌ لا محالة، ومِن أبرزِ عناوينِ الطّاغوتِ هوَ مَن عبدَ غيرَ اللهِ أو تحكّمَ على عبادِ اللهِ بالقهرِ والظّلمِ وتسخيرِهم لمصالحِه، أو كلِّ ما تجاوزَ بهِ العبدُ الحدودَ في العبادةِ أو التّبعيّةِ أو الطّاعةِ لغيرِ اللهِ تعالى، ويكونُ في العادةِ المِصداقُ الواضحُ للطّاغوتِ هوَ الحاكمُ المُتسلّطُ الذي نصبَ نفسَه على العبادِ، كحالِ فرعونَ الذي قالَ اللهُ فيه: (اذهَبَا إِلَى فِرعَونَ إِنَّهُ طَغَى) فلا يجوزُ للمؤمنِ طاعتُه إلّا في حالةِ الإكراهِ والتّقيّةِ على أن يكونَ كافراً بهِ في داخلِ نفسِه وعُمقِ شعورِه، وينطبقُ هذا الأمرُ على كلِّ مَن حاربَ أهلَ البيتِ (عليهم السّلام) وأزالَهُم عَن مراتبِهم التي رتّبَهُم اللهُ فيها، يقولُ الإمامُ الباقرُ (عليهِ السّلام): (إيّاكُم والولائجَ، فإنَّ كلَّ وليجةٍ دونَنا فهيَ طاغوتٌ) وقالَ الإمامُ الصّادقُ (عليهِ السّلام) لأبي بصيرٍ في قولِه تعالى: (والذينَ إجتنبوا الطّاغوتَ أن يعبدوها...) أنتُم هُم، ومَن أطاعَ جبّاراً فقَد عبدَه). وعليهِ ما وردَ في السّؤالِ مثل الشّيطانِ والأوثانِ والحاكمِ الظّالمِ يُعدُّ طاغوتاً لا شكَّ في ذلكَ، أمّا الخُيلاءُ والتّفاخرُ والعُجبُ وهوى النّفسِ، فإن كانَت حالاتٍ عابرةً وغيرَ مُتأصّلةٍ فيمكنُ مُعالجتُها بالإستغفارِ والتّوبةِ وعلى الإنسانِ أن يُراقبَ نفسَه منَ الوقوعِ في هذهِ الأمراضِ النّفسيّةِ لأنّها نوعٌ منَ الطّغيانِ وتجاوزِ الحدودِ، أمّا إذا أصبحَت صفاتٍ لازمةً ومُستغرقةً لجميعِ سلوكِه وتصرُّفاتِه سيكونُ طاغوتاً حتماً. أمّا المالُ إن كانَ المقصودُ بهِ إستغلالُه في بسطِ النّفوذِ والهيمنةِ على الآخرينَ وتسخيرِهم لخدمتِه فهوَ طُغيانٌ، حالُه حالُ الطّاغيةِ قارونَ قالَ تعالى: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَومِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيهِم وَآَتَينَاهُ مِنَ الكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالعُصبَةِ أُولِي القُوَّةِ)، وعليهِ فإنَّ الرّغبةَ في الدّنيا والإفتتانَ بها هوَ الذي يوجبُ الطّغيانَ واتّباعَ الطّاغوتِ، قالَ الإمامُ زينُ العابدينَ (عليه السّلام): كفانا اللهُ وإيّاكُم كيدَ الظّالمينَ وبغيَ الحاسدينَ وبطشَ الجبّارينَ، أيّها المؤمنونَ لا يفتننَّكُم الطّواغيتُ وأتباعُهم مِن أهلِ الرّغبةِ في الدّنيا.
اترك تعليق