دليل الشيعة على مسح الرجلين في الوضوء

سمعت أن الشيعة بدلا أن يغسلوا رجليهم في الوضوء يمسحون لماذا ؟ علما أن باقي المسلمين يغسلون ألم يكن النبي ص يغسل رجليه؟

: فريق اللجنة العلمية

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}

دليل الشيعة على مسح الرجلين في الوضوء، مركَّب من ثلاثة أشياء، كل واحد منها يصلح دليلاً بنفسه.

١- القرآن الكريم:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة - الآية ٦].

فالآية: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ}، فيها قراءتان..

• قراءة الجَرِّ: وهي بجرِّ {وَأَرْجُلِكُمْ}، لعطفها بالواو على {بِرُءُوسِكُمْ} المجرورة بالباء. والمتعاطفان يشتركان في نفس الحُكم، وهو هنا المسح.

فيكون معنى الآية: وامسحوا برؤوسِكم وامسحوا بأرجلِكم.

• قراءة النَّصب: وهي بنصب {وَأَرْجُلَكُمْ}، لعطفها بالواو على محلِّ {بِرُءُوسِكُمْ}. فإن أصل الجملة منصوبة هكذا: (واسمحوا رؤوسَكم)، لكن دخلتْ عليها باءٌ زائدةٌ فجرَّتها بالكسرة لفظاً، وأبقتْها في محلِّ نصبٍ معنى. فلما دخلت الواو على {وَأَرْجُلَكُمْ}، عطفتها على أصل الجملة، وهو النصب على المحلِّ، ولذلك صارتْ منصوبة لا مجرورة.

فيكون معنى الآية: وامسحوا رؤوسَكم وامسحوا أرجلَكم.

هذا، واعترف بصحة إعراب الشيعة للقراءتين، جماعة من كبار علماء أهل السُّنة، منهم مثلاً:

(أ) ابن حزم في المحلَّى بالآثار: ج١/ ص٣٠١.

(ب) الفخر الرازي في مفاتيح الغيب: ج١١/ ص٣٠٥.

(ج) الحلبي في غنية المتملِّي: ص١٥-١٦.

(د) السندي في شرح ابن ماجه: ج١/ ص١٧١/ ح٤٥٨.

(هـ) القاسمي في محاسن التأويل: ج٤/ ص٧٢.

٢- السُّنة الشريفة:

رَوَى أبو داود في السُّنن: ج١/ ص٣٧٦/ ح٨٥٨،

ورَوَى ابن ماجه في السُّنن: ج١/ ص٣٧٦/ ح٤٦٠،

ورَوَى الدارمي في السُّنن: ج٢/ ص٨٣٩/ ح١٣٦٨،

كلهم بإسناد صحيح، عن رسول الله (ص)، أنه قال:

«إنها لا تتم صلاة أحدكم، حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله (عز وجل)، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين».

ورَوَى أحمد في المسند: ج٢/ ص١٣٩/ ح٧٣٧، وص٢٤٢/ ح٩١٧، وص٢٩٥/ ح١٠١٢، في الصحيح عن عليٍّ (رض)، قال:

«كنتُ أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، حتى رأيتُ رسول الله (ص) يمسح على ظاهرهما».

وفي هذا وردتْ روايات كثيرة، عند السُّنة وعند الشيعة.

٣- سيرة أهل البيت (ع):

• قال ابن حزم في المحلَّى: ج١/ ص٣٠١، «وهكذا جاء عن ابن عباس: نزل القرآن بالمسح ـ يعني: في الرجلين في الوضوء ـ وقد قال بالمسح على الرجلين جماعة من السَّلف، منهم: علي بن أبي طالب، وابن عباس، والحسن، وعكرمة، والشعبي، وجماعة غيرهم، وهو قول الطبري، ورُوِيَتْ في ذلك آثار».

• قال الفخر الرازي في التفسير: ج١١/ ص٣٠٥، «اختلف الناس في مسح الرجلين وفي غسلهما: فنَقل القفَّال في تفسيره عن: ابن عباس، وأنس بن مالك، وعكرمة، والشعبي، وأبي جعفر محمد بن علي الباقر .. أن الواجب فيهما المسح، وهو مذهب الإمامية من الشيعة».

• قال أبو حيَّان في البحر المحيط: ج٤/ ص١٩١، «ورُوِيَ وجوب مسح الرجلين عن: ابن عباس، وأنس، وعكرمة، والشعبي، وأبي جعفر الباقر، وهو مذهب الإمامية من الشيعة».

وما قاله هؤلاء العلماء السُّنيون مطابق للواقع، فإن الروايات الكثيرة عن أهل البيت (ع) تثبت ذلك..

رَوَى أحمد في المسند: ج٢/ ص٤١٤/ ح١٢٦٤،

ورَوَى الدارمي في السُّنن: ج١/ ص٥٥٧/ ح٧٤٢،

حديثاً صحيحاً عن عبدِ خيرٍ، قال:

«رأيتُ عليًّا (رض) توضأ، ومسح على النعلين، ثم قال : لولا أني رأيتُ رسول الله (ص) فعل كما رأيتموني فعلتُ، لرأيتُ أن باطن القدمين هو أحق بالمسح من ظاهرهما».

رَوَى الكليني في الكافي: ج٣/ ص٣٠/ ح٣، ـ وغيره في غيره ـ بإسناد صحيح عن زرارة، قال:

«قلتُ لأبي جعفر ـ يعني: الإمام الباقر (ع) ـ : ألا تخبرني من أين علمتَ وقلتَ: إن المسح ببعض الرأس، وبعض الرجلين؟ فضحك! ثم قال: يا زرارة، قاله رسول الله (ص)، ونزل به الكتاب من الله! لأن الله (عز وجل) يقول: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}، فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل. ثم قال: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}. ثم فصَل بين الكلام، فقال: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}، فعرفنا حين قال: {بِرُءُوسِكُمْ} أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء. ثم وصَل الرجلين بالرأس كما وصَل اليدين بالوجه، فقال: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، فعرفنا حين وصلها بالرأس أن المسح على بعضها. ثم فسَّر ذلك رسول الله (ص) للناس فضيَّعوه!».

فثبت أن الشيعة أخذوا وضوءهم من: القرآن الكريم، وسنَّة رسول الله (ص)، وسيرة أهل البيت (ع). ووافقهم عليه جماعة من الصحابة والتابعين، ولم ينفردوا به.