أهل الذكر في القرآن الكريم

منْ هم أهل الذكر في القرآن حينما قال: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}؟

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يقع الكلام في بيان المراد بـ(أهل الذكر) في الآية الكريمة، في أمور:

الأمر الأوّل: معنى الآية الكريمة حسب سياقها:

{وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ} يا رسول الله، إلى الأمم الماضية {إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ} فالمرسلون من قبلك يمتازون عن بقيّة البشر بالوحي، بمعنى أنّ إرسال الأنبياء (عليهم السلام) فعل عاديّ، وليس خرقاً لقوانين الطبيعة، بل هو من سنن الله في المجتمع البشريّ {فَسْئَلُوا} أيّها المنكرون لنبوّة الرسول (صلَّى اللَّه عليه وآله) {أَهْلَ الذِّكْرِ} أي أهل العلم والمعرفة الذين يُوثق بهم ويُطمأنّ لهم {إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.

لكنْ، من الواضح عدم إمكان قصر معنى الآية الكريمة على مورد نزولها؛ إذ لو قُصرِت الآية على ذلك لماتت الآية بموت مَن نزلت بشأنه، فالعبرة بعموم لفظ الآية الكريمة لا خصوص سببه، وينبغي ملاحظة النصوص الخاصّة عن المعصومين (عليهم السلام) في معنى الآية.

الأمر الثاني: معنى الآية بحسب الظاهر وحسب الروايات:

يوجد في المقام جهتان ينبغي ملاحظتهما لمعرفة المراد من (أهل الذكر) في الآية:

الأولى: أنّ الظاهر من الآية الكريمة أنّ المراد من أهل الذكر هم أهل العلم والمعرفة، فالآية الكريمة في مقام بيان قضيّة كلّيّة عقلائيّة مقرَّرة في الشريعة، وهي سؤال أهل العلم عمّا لا يعلمه الإنسان، فهي إرشاد إلى حكم العقلاء بوجوب رجوع الجاهل إلى أهل الخبرة، وإيكال التطبيق إلى العُرف العقلائيّ، فيختلف مصداقه باختلاف الموارد، ففي السؤال عن المعارف والأحكام الإسلاميّة ابتداءً: هم المعصومون (عليهم السلام)، وفي السؤال عنها بعد المعصومين (عليهم السلام): هم الفقهاء ورواة الحديث، وهكذا.

وقد ذكر العلماء هذه الآية – بناءً على هذا المعنى – في سلك الأدلّة على حجّيّة قول المفتي، وحجيّة أخبار الآحاد.

[ينظر: معارج الأصول ص198، فرائد الأصول ج1 ص288، كفاية الأصول ص300، مصباح الأصول ج2 ص189، وغيرها].

الثانية: أنّ مقتضى الروايات الواردة عند الفريقين أنّ المراد بأهل الذكر في الآية الكريمة هم أهل البيت (عليهم السلام) وليس غيرهم، وفيما يلي نذكر بعضاً من تلكم الروايات:

1ـ عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام): {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} قال: « نحن أهل الذكر » [تفسير الطبريّ ج14 ص145].

2ـ عن الحارث قال: سألت عليّاً عن هذه الآية: { فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}؟ فقال: « والله إنّا لنحن أهل الذكر، نحن أهل العلم، ونحن معدن التأويل والتنزيل » [شواهد التنزيل ج1 ص432].

3ـ عن الإمام الباقر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، قال: « قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الذكر أنا، والأئمّة (عليهم السلام) أهل الذكر » [الكافي ج1 ص163].

4ـ عبد الرحمن بن كثير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}؟ قال : « الذكر: محمّد (صلّى الله عليه وآله)، ونحن أهله المسؤولون » [الكافي ج1 ص164].

5ـ عن أبي عبد الله ( عليه السلام ): قال جلّ ذكره: {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، قال: « الكتاب: الذكر، وأهله: آل محمد ( عليهم السلام )، أمر الله عز وجل بسؤالهم، ولم يأمر بسؤال الجهّال، وسمّى الله عزّ وجلّ القرآن ذكراً، فقال تبارك وتعالى: {وأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، وقال عز وجل: {وإِنَّه لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ وسَوْفَ تُسْئَلُونَ} » [الكافي ج1 ص234].

وقد ذكر العلماء الآية الكريمة - بناءً على هذا المعنى - في ضمن الأدلّة على إمامة الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) وسعة علومهم؛ لأنّ الله تعالى أمر الناس بسؤال أهل الذكر في أيّ شيء لا يعلمونه، فلم يُخصّ بشيء دون ذلك، وذلك يقتضي أن يكون أهل الذكر عالمين بكلّ شيء يُسألون عنه - لقبح الأمر بسؤال الجاهل -، فهذه الآية تثبت إمامة أهل البيت (عليهم السلام) وسعة علومهم.

[ينظر: الكافي في الفقه ص93، إشارة السبق ص60، تقريب المعارف ص179، وغيرها].

الأمر الثالث: موقف العلماء من المعنيّين المذكورين:

فقد تحصّل ممّا تقدّم: أنّ مقتضى ظاهر الآية الكريمة كون المراد بأهل الذكر هم أهل العلم، ومقتضى الروايات الواردة كون المراد أهل البيت (عليهم السلام).

وللعلماء موقفان في كيفيّة التعاطي مع هذين المعنيين:

الأوّل: أنّ المراد بأهل الذكر هم أهل العلم، والروايات الواردة في تفسيرها بأهل البيت (عليهم السلام) إنّما هي من باب بيان أنّهم أكمل مصاديق أهل الذكر، أي أنّ الروايات هي في مقام تطبيق عنوان (أهل الذكر) على مصاديقه وهم أهل البيت (عليهم السلام).

[ينظر: دراسات في علم الأصول ج3 ص181، مصباح الأصول ج2 ص189، وغيرها].

والآخر: أنّ الظاهر من الروايات اختصاص عنوان أهل الذكر بأهل البيت (عليهم السلام)، لا تطبيق العنوان عليهم، فعنوان أهل الذكر مختصّ بأهل البيت (عليهم السلام) دون غيرهم، فهي كسائر الآيات المختصّة بهم (عليهم السلام)؛ كآيات الولاية والمودّة والتطهير التي لا يلزم موتها؛ لأنّهم (عليهم السلام) باقون ما بقي القرآن مرجعاً للناس وحجّة عليهم.

[ينظر المحكم في أصول الفقه ج3 ص255ـ256، مصباح المنهاج ج1 ص12، وغيرها].

والحمد لله رب العالمين