ممكن الرد على شّبهةِ مُخالفةُ القُرآنِ لبعضِ قواعدِ الإملاءِ وشبهة صبرِ الإمامِ عليّ على منعَه مِن حقِّه الشّرعي وشبهة أنَّ القُرآنَ حصلَ فيهِ تحريفٌ بسببِ خطأٍ حصلَ في طباعةِ الكويت

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...كيف حالكم.... المسيحين يطرحون اشكالات صعبة ولم اجد جواباً عليها فرجعت اليكم واتمنا الرد السريع ومن هذه الإشكالات ■يشكل علينا المسيحيون في وقوع الأخطاء الإملائية في القرآن، ومن هذه الاشكالات مجيء كلمة امراة بتاء طويلة هكذا (امرات) فلماذا وهل هذه تحريف للقرأن ام ماذا؟ ■ويشكل المسيحيون ايضا على صبر الامام علي ع اذ يقولون كيف لمعصوم ان يقهره زمانه؟ ويقولن ايضا انه خليفة جبان لم يسيطر على حكمه! فكيف نردهم ■ونحن نحتج عليهم بتناقض الانجيل اذ في سفر التكوين مجيء عمر ملكهم ب٢٠ وفي اية اخرى ب٤٠ فنحن نقول انه تحريف ولكنهم يردون بأنه خطأ طباعي ويقولون القرآن قبل كم سنة حصل خطأ طباعي في الكويت فهل يعتبر القرآن حصل له تحريف؟ اذا قلتم نعم فالقرآن مسه التحريف وذا قلتم لا فالأنجيل لم يحرف، فكيف نرد على قولهم ■ويقولون كيف للأنجيل أن يحرف وهو كان بأيدي مئات الآلاف من المسيحيين ■وايضا من اشكالاتهم انهم يقولون "اذ عيسى لم يعترف انه رب للتقية كما لم يعترف ائمتكم بان ابا بكر وعمر كافران وبدل من ذلك يقولون بان خلافتهم هي الأصح" فكيف نرد... واتمنى الاجابة السريعة للأشكالات وشكرا........

: اللجنة العلمية

بالنّسبةِ للشّبهةِ الأولى وهيَ مُخالفةُ القُرآنِ لبعضِ قواعدِ الإملاءِ، نقولُ: 

أوّلاً: لابُدَّ منَ الإشارةِ إلى أنَّ قواعدَ الإملاءِ صيغَت بعدَ كتابةِ القُرآنِ الكريمِ، وبالتّالي إذا افترضنا وجودَ تعارُضٍ لا يعني أنَّ قواعدَ الإملاءِ حاكمةٌ عليه، لأنَّ القُرآنَ بذاتِه يُمثّلُ مرجعاً لقواعدِ اللّغةِ إعراباً وإملاءً، ويضافُ إلى ذلكَ أنَّ قواعدَ الإملاءِ ليسَ مُتّفقاً عليها في كُلِّ الكلماتِ، وإنّما هُناكَ إختلافٌ بينَ القواعدِ التي اعتمدَها مجمعُ اللّغةِ العربيّةِ المصريّ، وبينَ التي اعتمدَها مجمعُ اللّغةِ العربيّةِ السّوريّ، بل حتّى الكلماتُ التي إتّفقا على إملائِها وخالفَهم الرّسمُ القُرآنيّ فيها لا تعني وجودَ تحريفٍ أو خطأٍ في القُرآنِ وإنّما يدلُّ على إستخدامِ القُرآنِ لأحدِ اللّغاتِ الفُصحى عندَ العربِ.

ثانياً: أمّا كلمةُ إمرأةٍ التي جاءَت في الرّسمِ القُرآنيّ بالتّاءِ المفتوحةِ في مثلِ قولِه تعالى: (ضربَ اللهُ مثلاً للّذينَ كفروا امرأتَ نوحٍ وامرأتَ لوط), قَد كُتبَت بالتّاءِ المفتوحةِ في هذهِ الآيةِ وغيرِها منَ الآياتِ إيذاناً بجوازِ الوقوفِ عليها على لُغةِ طَي، وهيَ مِن لُغاتِ العربِ الفصيحةِ. 

ثالِثاً: إنَّ المواضعَ التي جاءَت فيها التّاءُ مفتوحةً في كلمةِ (امرأةٍ) نجدُها جميعاً مُخصّصةً بالإضافةِ وهيَ بالتّالي تُشيرُ إلى أمراءَ معيّنةٍ، مثلَ قولِه تعالى: (إذ قالَت امرأتُ عمران) وقولُه: (قالت امرأتُ العزيز) وقولُه: (امرأتُ نوحٍ وامرأتُ لوط). بينَما كُتبَت في الآياتِ الأُخرى بالتّاءِ المربوطةِ في حالِ كونِها غيرَ مُضافةٍ ولا تُشيرُ إلى أمرأةٍ مُعيّنةٍ؛ أي عندَما يُقصدُ بها جنسُ المرأةِ مثلَ قولِه تعالى: (إن إمرأةً خافَت مِن بعلِها نشوزاً) وقوِله: (أنّي وجدتُ إمرأةً تملكُهم) وقولُه: (وإمرأةٌ مؤمنةٌ إن وهبَت نفسَها للنّبي). وعليهِ ليسَ في الأمرِ مُخالفةً للقواعدِ الإملائيّةِ كما يتوهّمُ البعضُ، وإنّما هُناكَ علّةٌ وإشارةٌ خفيّةٌ قصدَتِ الآياتُ الإلفاتَ إليها. 

الشّبهةُ الثّانية: 

  أمّا بالنّسبةِ لصبرِ الإمامِ عليّ (عليه السّلام) وعدمِ خروجِه بالسّيفِ على مَن منعَه مِن حقِّه الشّرعي، يجبُ مُناقشتُه وفهمُه ضمنَ السّياقِ التّاريخيّ وضمنَ ما يفرضُه التّكليفُ الشّرعيّ، والقولُ كيفَ للمعصومِ أن يقهرَه الزّمانُ فيه دلالةٌ على إخراجِ الموضوعِ منَ السّياقِ الذي يجبُ فهمُه فيه، فالعصمةُ ملكةٌ تمنعُ صاحبَها منَ الوقوعِ في الخطأِ وليسَت سُلطةً فوقَ طبيعيّةٍ تُلزمُ الآخرينَ بالخضوعِ والإستسلامِ، وعليهِ فالإمامُ عليّ (عليه السّلام) إمامٌ يهدي مَن إتّبعهُ سُبلَ السّلامِ وليسَت لهُ سُلطةٌ على إجبارِ مَن يُخالِفُه ويتمرّدُ عليه، وبالتّالي يُصبحُ السّؤالُ منَ الأساسِ خاطئاً وفيهِ مُغالطةٌ، لأنّهُ مبنيّ على كونِ العصمةِ سُلطةً تكوينيّةً تُلزمُ الآخرينَ بالخضوعِ والإستسلامِ لها وهذا خلافُ معنى العصمةِ. 

أمّا القولُ أنّهُ جبانٌ لأنّهُ لم يُطالِب بحقِّه لا يخلو مِن مُغالطةٍ أيضاً، لأنَّ الفاصلَ بينَ الجُبنِ والشّجاعةِ والتّهوّرِ والحماقةِ ليسَ واضحاً في كلِّ الظّروفِ، فليسَ كلُّ إقدامٍ شجاعةً وليسَ كلُّ تراجعٍ جُبناً، فالأمورُ تُقيّمُ بحسبِ الظّروفِ الموضوعيّةِ، وقَد أشارَ الإمامُ عليّ إلى هذا الأمرِ بقولِه: (فإن أقُل يقولوا حرصَ على المُلكِ. وإن أسكُت يقولوا جزعَ منَ الموتِ هيهاتَ بعدَ اللّتيّا والّتي واللهِ لابنُ أبي طالبٍ آنسُ بالموتِ منَ الطّفلِ بثدي أُمّه. بَل إندمجتُ على مكنونِ علمٍ لو بحتُ بهِ لاضطربتُم إضطرابَ الأرشيّةِ في الطّوي البعيدةِ) فكشفَ سلامُ اللهِ عليهِ بهذهِ الكلماتِ أنّهُ مُتّهمٌ منَ الأعداءِ في كِلا الحالتينِ فإن طالبَ بحقّه اتّهموهُ بالحرصِ والطّمعِ، وإن سكتَ إتّهموهُ بالجُبنِ، وتاريخُ الإمامِ عليّ (عليه السّلام) يكشفُ عَن مدى زُهدِه وشجاعتِه، إلّا أنّهُ أرادَ أن يُذكّرَهُم بحقيقةٍ لا يرتابونَ فيها جميعُهم وهيَ أنّهُ يأنسُ بالموتِ كما يأنسُ الطّفلُ الرّضيعُ  بمحالبِ أمِّه، ثمَّ إنطلقَ مِن هذهِ الحقيقةِ الواضحةِ ليُثبتَ لهُم حقيقةً أُخرى وهيَ أنَّ صدرَه الشّريفَ أنطوى على علمٍ لو كشفَهُ لهُم لاضطربوا كما يضطربُ الحبلُ المُدلّى في البئرِ. 

وعليهِ فإنَّ عدمَ خروجِ الإمامِ عليّ (عليه السّلام) على مَن إغتصبَ حقّهُ ليسَ جُبناً وإنّما حرصاً منهُ على بيضةِ الإسلامِ ووحدةِ المُسلمينَ، وبخاصّةٍ أنَّ خروجَه بالسّيفِ على أهلِ السّقيفةِ سوفَ يتسبّبُ بمخاطرَ كبيرةٍ على مُستقبلِ الإسلامِ، فالتّجربةُ الإسلاميّةُ الوليدةُ كانَت تترصّدها المخاطرُ مِن كلِّ جهةٍ، فالتّحرّكُ العسكريّ من داخلِ المدينةِ يُهيّئ الفرصةَ للمُنافقينَ والقبائلِ الموتورةِ منَ الإسلامِ، مُضافاً لخطرِ فارسَ والرّوم التي تتحيّنُ نقاطَ الضّعفِ لتنقضّ على هذهِ التّجربةِ الوليدةِ، فروحُ المسؤوليّةِ والحرصِ على الإسلامِ جعلَ أميرَ المؤمنين (عليه السّلام) يقعدُ عن حقِّه، كما هوَ الحالُ في موقفِ هارونَ معَ موسى مِن قضيّةِ السّامري، قالَ تعالى: (قَالَ يَا ابنَ أُمَّ لَا تَأْخُذ بِلِحَتِي وَلَا بِرَأسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقتَ بَينَ بَنِي إِسرائِيلَ وَلَم تَرقُب قَولِي) فخشيةُ هارونَ مِن تفريقِ بني إسرائيلَ هيَ التي منعتهُ منَ الإعتراضِ على ما فعلهُ السّامري، وعليهِ الأمرُ لا علاقةَ لهُ بالجُبنِ وإنّما لهُ علاقةٌ بتزاحمِ المصالحِ وأيّهما أولى في التّقديمِ، فخلافةُ الإمامِ عليّ مصلحةٌ إذا عرفَ النّاسُ قدرَها والتزمُوا بها، والحفاظَ على بيضةِ الإسلامِ أيضاً مصلحةٌ، فقدّمَ الإمامُ عليّ مصلحةَ الحفاظِ على الإسلامِ بوصفِها المصلحةَ التي يمكنُ تحقيقُها، أمّا مصلحةُ إمامتِه فمُعلّقةٌ على قبولِ الآخرينَ بها.

 

وقَد استمرَّ سكونُ الإمامِ عليّ باستمرارِ تلكَ المصلحةِ وعندَما جاءَ معاويةُ وأصبحَ الأمرُ يُهدّدُ التّجربةَ الإسلاميّةَ برُمّتِها تصدّى لهُ، وقد بيّنَ سلامُ اللهِ عليه ذلكَ في رسالتِه لمالكٍ الأشترِ لمّا ولّاهُ إمارةَ مصر، حيثُ جاءَ فيها: (أمّا بعد، فإنَّ اللهَ سُبحانَه بعثَ مُحمّداً (صلّى الله عليهِ وآله) نذيراً للعالمينَ ومُهيمناً على المُرسلينَ، فلمّا مضى ( صلّى الله عليهِ وآله ) تنازعَ المُسلمونَ الأمرَ مِن بعدِه، فواللهِ ما كانَ يُلقى في روعي ولا يخطرُ ببالي أنَّ العربَ تُزعجُ هذا الأمرَ مِن بعدِه (صلّى الله عليهِ وآله) عن أهلِ بيتِه، ولا أنَّهم مُنَحّوهُ عنّي مِن بعدِه، فما راعني إلّا إنثيالُ النّاسِ على فلانٍ يُبايعونَه، فأمسكتُ يدي حتّى رأيتُ راجعةَ النّاسِ قد رجعَت عنِ الإسلامِ يدعونَ إلى محقِ دينِ محمّدٍ (صلّى الله عليهِ وآله)، فخشيتُ إن لم أنصُر الإسلامَ وأهلَه أن أرى فيهِ ثلماً أو هدماً، تكونُ المُصيبةُ بهِ عليَّ أعظمَ مِن فوتِ ولايتِكم، التي إنَّما هيَ متاعُ أيّامٍ قلائل، يزولُ منها ما كانَ كما يزول السّرابُ، أو كما يتقشّعُ السّحاب. فنهضتُ في تلكَ الأحداثِ، حتّى زاحَ الباطلُ وزهقَ، واطمأنَّ الدّينُ وتنهنَه(( ) 

أمّا الموقفُ الشّرعيّ فقَد ثبتَ عندَنا أنَّ رسولَ اللهِ أوصى أميرَ المؤمنين بالصّبرِ وهُناكَ نصوصٌ كثيرةٌ تؤكّدُ ذلك.  

الشّبهةُ الثّالثة: 

أمّا القولُ أنَّ القُرآنَ حصلَ فيهِ تحريفٌ بسببِ خطأٍ حصلَ في طباعةِ الكويت، فيدلُّ على جهلٍ بالمقصودِ منَ القرآنِ، فليسَ الحديثُ عَن عدمِ إمكانيّةِ أن تقومَ جهةٌ ما بقصدٍ أو من دونِ قصدٍ بطباعةِ مصحفٍ مُحرّفٍ، فهذهِ إمكانيّةٌ موجودةٌ ولا ينفيها أحدٌ، ولكنَّها تظلُّ نُسخةً غيرَ مُعترفٍ بها ولا يؤمنُ بها مُسلمٌ، وعليه فإنَّ المقصودَ منَ القرآنِ هوَ ذلكَ الكتابُ المُتواترُ والمُجمعُ على كلِّ ما فيه سورةً سورة وآيةً آية وحرفاً حرفا، وقد تناقلَتهُ الأمّةُ جيلاً عَن جيلٍ وسوفَ يستمرُّ ذلكَ إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ بمَن عليها، وبالتّالي يستحيلُ أن يحدُثَ في القُرآنِ خطأٌ ولو في حرفٍ واحد. وهذا خلافُ التّحريفِ الذي أصابَ الإنجيل.