استيلاء الحسين (ع) على القوافل.

محمد حسن حريجة/ : السلام عليكم ارجو الرد على هذا الاشكال الذي يطرحه احدهم مع جزيل الشكر استيلاء الحسين "ع" على القوافل استراتيجيّة أم تكتيك؟! جزم عموم المؤرّخين السُنّة وجملة من كتّاب المقاتل الإثني عشريّة المعتبرة عندهم بأنّ الحسين بن عليّ "ع" بعد أن خرج من مكّة القديمة نحو العراق ومال نحو منطقة التّنعيم الّتي هي جزء من مكّة المعاصرة: لقي قافلة من الجمال محمّلة بالحليّ والورس كان قد بعثها إلى الشّام بحير بن ريسان الحميري والي يزيد بن معاوية في اليمن، فأخذها الحسين "ع" وانطلق بها، «ثمّ قال لأصحابها: لا أكرهكم، من أحب أن يمضي معنا إلى العراق أوفينا كراءه وأحسنا صحبته، ومن أحب أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء على قدر ما قطع من الأرض...، فمن فارقه منهم حوسب فأوفي حقّه، ومن مضى منهم معه أعطاه كراءه وكساه»، ونصّ الدّينوري على إنّ حمولة القافلة كانت ورساً وحنّاء، وإنّ الحسين بن عليّ ع أخذها وأخذ ما عليها أيضاً...إلخ. [الأخبار الطّويلة: ص245؛ أنساب الأشراف: ج3 ،ص375؛ الطّبري: ج5، ص385؛ مثير الأحزان: ص42؛ بحار الأنوار: ج44، ص367؛ تسلية المجالس: ج2، ص228]. لكنّ السيّد ابن طاووس في مقتله الشّهير الّلهوف: استبدل الحليّ والورس الواردين في الرّواية بمفردة هديّة، ونصّ على تبرير سيطرة الحسين بن عليّ "ع" على الهديّة الّتي بعثها والي اليمن إلى يزيد بأنّه بسبب عودة «حكم أمور المسلمين إليه ["ع"]». [الّلهوف: ص69]، لكنّ لا أدري: هل سأل ابن طاووس نفسه وهو المنظّر الأوّل لنظريّة الشّهادة عن وجه حاجة الحسين "ع" إلى الحُليّ والورس ـ وهي نبتة صفراء يُصبغ بها الوجه نظير الزّعفران ـ وهو ذاهب إلى الشّهادة ويعلم إنّها ستنهبّ منه حسب الفرض؟! وإذا كانت هذه الحمولة هدايا شخصيّة فكيف يجوز التّصرّف فيها والاستيلاء عليها والمفروض إنّ صاحبها مسلم ظاهراً يتشهّد الشّهادتين؟! لنتجاوز هذه الفقرة مؤقّتاً ونحيل الحديث عنها إلى سلسلة مقالات مرجعيّاتمجهولالمالك، وننتقل إلى مفارقة من لون آخر؛ فحين وصول هذه الرّواية إلى زعيم الطّائفة الإثني عشريّة المفيد ولا مصدر له سوى الكتب التّاريخيّة المتقدّمة؛ بادر إلى تقصيصها وفلترتها وتمييعها بشكل لافت، فحذف منها موضوع أخذ الحسين بن عليّ "ع" الورس والحُلي فقال: «أتى [الحسين "ع"] التّنعيم فلقي عيراً قد أقبلت من اليمن، فاستأجر من أهلها جمالاً لرحله وأصحابه وقال لأصحابها: من أحب أن ينطلق معنا إلى العراق وفّيناه كراءه، وأحسنا صحبته، ومن أحبّ أن يفارقنا في بعض الطّريق أعطيناه كراءً على قدرما قطع من الطّريق، فمضى معه قوم وامتنع آخرون». [الإرشاد: ج2، ص68]. ومن الواضح إنّ نقل الرّواية بهذه الطّريقة يجعلها مضطربة تماماً؛ إذ كان على المفيد أن يسأل نفسه وهو يصوغ الرّواية بهذه الشّكل المضطرب: ما هو هدف هذه القافلة القادمة من اليمن لكي أكتب بأنّ الحسين "ع" لقيها وطلب من أصحابها استئجار جمالهم؟! فهل إنّهم قطعوا هذه المسافة الطّويلة من اليمن إلى مكّة وهم يعملون كسائقي سيّارات الأجرة في الخطوط الدّاخليّة بحيث ينزل مسافر ويركب آخر وهكذا حتّى استوقفهم الحسين وطلب منهم ما طلب مثلاً؟! من الواضح: إنّ هذه الجمال كانت متّجهة إلى الشّام وهي محمّلة ببضاعة كان ينبغي على أصحابها وفق شروط الإجارة إيصالها إلى مركز البلاط الأمويّ وحكومة المركز، لكنّ الحسين "ع" أوقفها وسيطر على ما فيها من حمولة وطلب منهم بعد ذلك ما طلب، ومن دون ذلك فلا معنى للرّواية بصيغتها الّتي أوردها المفيد الّلهم إلّا أن نقول: إنّ الجمال قد أفرغت حمولتها في التّنعيم فبادر الحسين "ع" بعدها لاستئجارها، ومثل هذا الاحتمال لا معنى ولا معقوليّة له أصلاً؛ لأنّ التّنعيم أحد مواقيت الإحرام والنّاس في حينها مشغولة بمراسم الحجّ فما هي المناسبة لجلب ما يتنافى مع إحرامهم؟! وهذا الأمر يضع علامات استفهام كبيرة جدّاً أمام الأمانة العلميّة الّتي يتمتّع بها شيوخ الطّائفة الإثني عشريّة؛ إذ يُظهر بوضوح تصرّفهم في النّصوص الرّوائيّة ومحاولة مواءمتها مع المبنى العقائديّ المختار، وهو شيء مؤسف لو فتّشنا في مقداره لأصيب الإنسان بالّذهول. وكيف كان؛ فما يؤيّد صحّة هذه الواقعة هو ما ورد من إنّ هناك ورساً وحُللاً وإبلاً قد انتهبت من مخيّم الحسين بن عليّ "ع" بعد واقعة كربلاء، فقد نقل الدّينوريّ عن مشهد ما بعد المعركة قائلاً: «ثمّ مال النّاس على ذلك الورس الذى كان أخذه [الحسين "ع"] من العير وإلى ما في المضارب فانتهبوه». [الأخبار الطّوال: ص258]، وجاء في تاريخ الطّبري: «ومال الناس على الورس والحلل والإبل وانتهبوها» وقد روي قول المختار لمن شارك في معركة كربلاء وقتل ونهب: «لقد جاءكم الورس في يوم نحس» [ج5، ص453؛ ج6، ص58]. والظّاهر إنّ نقل أمثال هذه العمليّات ليس جديداً؛ فقد حكى ابن أبي الحديد المعتزلي حكاية مشابهة في أيّام خلافة معاوية عدّها من سعة صدره وصدق فراسته، قائلاً: إنّ هناك مالاً«حمل من اليمن إلى معاوية، فلمّا مر بالمدينة وثب عليه الحسين بن علي "ع" فأخذه وقسمه في أهل بيته ومواليه وكتب إلى معاوية: من الحسين بن علي إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد فإنّ عيراً مرت بنا من اليمن تحمل مالاً وحُللاً وعنبراً وطيباً إليك لتودعها خزائن دمشق وتعل بها بعد النهل بني أبيك، وإنّي احتجت إليها فأخذتها والسّلام.

: اللجنة العلمية

الأخ محمد حسن .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لم يكن صاحب المقال موضوعيا في طرحه لقصة أخذ الحسين (عليه السلام) لقافلة الحلي والورس التي جاء يحملها والي اليمن إلى يزيد  فقد غابت عن ذهنه جملة من الأمور :

 1- أن سبب خروج الحسين (عليه السلام) على يزيد بن معاوية إنما هو لعدم اعترافه له بالخلافة ويراه غاصبا لها ولأموال المسلمين وبالتالي يرى (عليه السلام) لزوم  استرداد الأموال المغصوبة في مقام القدرة عليه .

 هذا لو فرضنا خروج الإمام الحسين (عليه السلام) ثائرا على يزيد بغض النظر عن إمامته ومنصبه الشرعي الثابت له من الله حسب عقيدة الشيعة الإمامية. 

2- الحسين (عليه السلام)  هو إمام مفترض الطاعة، منصب من قبل الله تعالى، حسب العقيدة الشيعية، وهذه الأموال جلبت ليزيد لمكان منصبه وهو الخلافة، فالإمام (عليه السلام) هو الأحق بها لأنه هو الخليفة الشرعي المنصب من قبل  الله  عز وجل .

3- ذكر الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) بأن الإمام الحسين (عليه السلام) قد استأجر هذه الإبل من أصحابها ليس معناه أنه قد  احتال على الرواية التي يرويها غيره والالتفاف عليها ، فالشيخ المفيد المتوفى 413 هجري هو بنفسه مصدر قديم من مصادر التأريخ ولقربه الزمني من الأحداث والوقائع ووجود المصادر التي يعتمد عليها، والتي يكون  قد فقد بعضها، من حقه أن يروي الرواية التي يرى صحتها عنده، فهو ليس بحاجة للالتفاف على الرواية أو فلترتها  حسب تعبير صاحب المقال، فسواء قلنا أن الإمام الحسين (عليه السلام) قد أخذ القافلة أخذا وليس إجارة - كما هي رواية الشيخ المفيد -، أو قلنا إنه أخذها بالاتفاق مع أصحابها على  إجارتها، فهي حادثة تاريخية وقد رويت بروايتين ولا يوجد  فيها ما يتنافى وعقيدتنا حتى نجزم بكذب الأولى وصحة الثانية، ولا يحتاج الشيخ المفيد إلى التلاعب بالرواية -  كما توهمه صاحب المقال - حتى يأتي بما يتناسب وعقيدته !

4- قال صاحب المقال أن القافلة كانت هدية شخصية  ولا يجوز أخذ الهدية الشخصية.

نقول : لم تثبت المصادر أن القافلة كانت تحمل  هدية شخصية وإنما هي أموال جلبت ليزيد لمحل منصبه وهو الخلافة، وقد رأى الإمام  الحسين (عليه السلام) أنه أولى بها لأنه هو صاحب المنصب الشرعي  فأخذها  واستنقذها .

5- أراد صاحب المقال أن ينبز من طرف خفي بأمانة علماء الشيعة ونقلهم للأحداث  فنقول له : لا يوجد أدق وأورع من علماء الشيعة في نقل الوقائع والأحداث، وذلك لسبب واحد فقط هو أنهم ليسوا كتابا ومؤرخين على أبواب السلاطين يكتبون ما  تمليه عليهم إرادة السلاطين حتى يقلبوا الكثير من الحقائق، كما هو المألوف في الموروث السني، ولو فتحنا هذا الباب لروينا منه ما تشيب له الرؤوس.

  ويكفي هنا أن نذكر ما أشار إليه علامتنا  المحقق  الأميني رضوان الله عليه في كتابه (الغدير) ج8 ص 328 ما نصه في حق أوثق تاريخ عند أهل السنة وهو تاريخ الطبري : (( شوه الطبري تاريخه بمكاتبات السري الكذاب الوضاع ، عن شعيب المجهول الذي لا يعرف ، عن سيف الوضاع ، المتروك ، الساقط ، المتهم بالزندقة ، وقد جاءت في صفحاته بهذا الإسناد المشوه ( 701) رواية وضعت للتمويه على الحقائق  الراهنة في الحوادث الواقعة من سنة 11 إلى 37 عهد الخلفاء الثلاثة فحسب )). انتهى

 ومن أراد الاطلاع على تلاعب مؤرخي أهل السنة ورواتهم بالأحداث والوقائع فليراجع هذه الموسوعة ، موسوعة ( الغدير ) حتى يرى العجب العجاب .