هَلْ هُنَاكَ ضَرُورَةٌ مَنْطِقِيَّةٌ لِافْتِرَاضِ إِلَهٍ لِهَذَا الكَوْنِ؟

هَلْ نَحْنُ حَقًّا بِحَاجَةٍ لِافْتِرَاضِ وَجُودِ إِلَهٍ شَخْصَانِيٍّ يَقِفُ وَرَاءَ وُجُودِ هَذَا الكَوْنِ كَضَرُورَةٍ مَنْطِقِيَّةٍ لَا مَنَاصَ مِنْهَا كَمَا يَزْعُمُ المُتَدَيِّنُونَ التَّقْلِيدِيُّونَ؟

: اللجنة العلمية

     إِذَا لَمْ يَكُنِ اللهُ حَقِيقَةً ثَابِتَةً فِي وِجْدَانِ كُلِّ إِنْسَانٍ لَمَا جَازَ أَصْلًا هَذَا السُّؤَالُ، فَافْتِرَاضُ شَيْءٍ لَا يَكُونُ مَنْطِقِيًّا مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَافِعٌ لِافْتِرَاضِهِ، وَالمَوْجُودُ الَّذِي أَوْجَدَ نَفْسَهُ بِدُونِ الحَاجَةِ إِلَى مَنْ يُوجِدُهُ لَا يَجْعَلُ العَقْلَ مُضْطَرًّا لِمِثْلِ هَذَا الإِفْتِرَاضِ، أَمَّا إِذَا كَانَ المَوْجُودُ بِنَفْسِهِ مُحْتَاجًا وَمُضْطَرًّا فِي وُجُودِهِ إِلَى غَيْرِهِ حِينَهَا لَا يُجْدِي هَذَا السُّؤَالُ أَيْضًا; لِأَنَّ اللهَ حِينَهَا لَا يَكُونُ مُجَرَّدَ افْتِرَاضٍ، وَإِنَّمَا حَقِيقَةٌ ثَابِتَةٌ يَجِبُ الإِعْتِرَافُ بِهَا قَبْلَ الإِعْتِرَافِ بِالمَوْجُودَاتِ.

     وَإِذَا تَمَاشَيْنَا مَعَ عَقْلِيَّةِ السُّؤَالِ وَحَاوَلْنَا أَنْ نُوجِدَ التَّبْرِيرَ المَنْطِقِيَّ لِلإِيمَانِ بِاللهِ، فَحِينَهَا يَجِبُ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ أَيِّ نَوْعٍ مِنَ التَّبْرِيرَاتِ المَنْطِقِيَّةِ يَبْحَثُ؟ هَلْ يَبْحَثُ عَنِ التَّبْرِيرِ بِحَسَبِ مَنْطِقِ الوُجُودِ؟ وَالَّذِي يَقُودُنَا إِلَى القَوْلِ بِأَنَّ الوُجُودَ إِمَّا وَاجِباً وَإِمَّا مُمْكِناً، وَهَكَذَا تَقُودُنَا الضَّرُورَةُ المَنْطِقِيَّةُ إِلَى الإِيمَانِ بِاللهِ، أَمْ أَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ التَّبْرِيرِ المَنْطِقِيِّ بِمَنْظُورِ العَقْلِ المُجَرَّدِ؟ وَالَّذِي يَقُودُنَا إِلَى قَانُونِ العِلَّةِ وَالمَعْلُولِ الَّذِي يُمَثِّلُ مِيزَانَ العَقْلِ وَمَنْطِقَهُ، وَحِينَهَا يَكُونُ العَقْلُ حَاكِمًا بِحَاجَةِ المَخْلُوقِ إِلَى خَالِقٍ، أَمْ يَبْحَثُ عَنِ التَّبْرِيرِ المَنْطِقِيِّ بِالمَنْظُورِ الإِجْتِمَاعِيِّ وَالأَخْلَاقِيِّ وَالقَانُونِيِّ؟ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا بِوُجُودِ اللهِ مَصْدَرِ كُلِّ القِيَمِ الأَخْلَاقِيَّةِ وَالإِجْتِمَاعِيَّةِ وَالقَانُونِيَّةِ، إِلَّا أَنَّ المُلْحِدَ لَا يَبْحَثُ عَنْ هَذَا المَنْطِقِ الَّذِي يَجْعَلُهُ مُضْطَرًّا لِلتَّسْلِيمِ بِالخَالِقِ، وَإِنَّمَا يَبْحَثُ عَنْ اللَّا مَنْطِقِ الَّذِي لَا يَلْتَزِمُ بِكُلِّ الضَّرُورَاتِ العَقْلِيَّةِ.