هَلْ وُجُودُ طَاقَةٍ فِي الْكَوْنِ يُغْني عَنْ وُجُودِ الْإلهِ؟

المدعى: كُلُّ مَا فِي الْكَوْنِ هُوَ طَاقَةٌ أَنَا وَأَنْتَ وَالْأرْضُ وَالْكَوَاكِبُ وَالْمَجَرَّاتُ... وَهَذِهِ الطّاقَةُ هِي كَمِّيَّةٌ ثَابِتةٌ فِي هذَا الْكَوْنِ حَيْثُ أَنَّ كَوْنَنَا نِظَامٌ مُغْلَقٌ لَا يَسْتَلِمُ أَيَّ طَاقَةٍ مِنْ أَيِّ مَصْدَرٍ خَارِجِي. وَالْإنْفِجَارُ الْعَظِيمُ الَّذِي أوجَدَ الْكَوُنَ بِالشَّكْلِ الْحَالِيّ لَيْسَ أَوَّلَ وَلَا آخِرَ إنْفِجَارٍ فَيَحْدُثُ الْعَدِيدُ مِنَ الْاِنْفِجَارَاتِ الَّتِي تُؤدِّي إلى وِلَادَةِ مجاميعَ شَمْسِيَّةٍ جَديدَةٍ.

: اللجنة العلمية

الْحَديثُ عَنِ الْمَادَّةِ وَالطَّاقَةِ وَالْبُحوثِ الْفِيزِيَائِيَّةِ حَديثٌ عِلْمِيٌّ لَهُ مُخْتَصّيْنَ أَفَنَوا أَعمارَهُمْ فِيهِ، وَلَا يُهْمُّنَا فِي الْبَحْثِ الْفَلْسَفِيِّ النَّتَائِجُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي تَوصَّلُوا لَهَا فِي بُحوثِهِمُ الْعِلْمِيَّةِ، فَهُنَاكَ فَرْقٌ كَبِيرٌ جِداً بَيْنَ النِّقَاشِ الْعِلْمِيِّ وَالنِّقَاشِ الْفَلْسَفِيِّ، وَمَا يَقَعُ بَيْنَ الْإيمَانِ وَالْإلْحَادِ مِنْ بُحوثٍ لَهُ عِلاقَةٌ بِالْفَلْسَفَةِ وَلَا يَنْتَمِي لِلْعِلْمِ مِنْ بَعيدٍ أَوْ قرِيب.

بَيْنَمَا نَجْدُ الْإلْحَادَ يُحَاوِلُ أَنْ يَكُونَ عِلْمِيَّاً فِي طَرْحِهِ وَمُقَارَبَاتِهِ الْإلْحَادِيَّةِ، مَعَ أَنَّهُ يُشَكِّلُ مَوْقِفاً فَلْسَفِيّاً بِاِمْتِيَازٍ وَلَا عِلاقَةَ لَهَا بِالْعِلْمِ، فَمَا يُطْرَحُ فِي الْفِيزِيَاءِ وَالرِّيَاضِيَّاتِ وَالْكِيمْيَا وَغَيْرِهَا مِنَ الْعُلُومِ لَهَا عِلاقةٌ( بِالْأَشْيَاءِ) بِوَصْفِهَا حَقَائِقَ يُمكِنُ رَصْدُهَا مُخْتَبَريّاً، سواءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ طَاقَةً أَوْ مَادَّةً أَوْ أَيَّ شَيْءٍ آخر، وبالتّالي هِي مَوْضُوعَاتٌ يُمكِنُ إخضاعُها لِلْفَحْصِ وَالتَّشْرِيحِ وَالْاِختبَارِ، أَمَّا الْفَلْسَفَةُ فَهِيَ التَّأَمُّلُ الْعَقْلِيُّ وَالْاِسْتِنْبَاطُ الْمَفَاهِيمِيُّ لِلْحَقَائِقِ، وَعَلَيْهِ لَيْسَتِ الْفَلْسَفَةُ بَحْثًا مُخْتَبَريّاً وَلَا تَتَعَامَلُ مَعَ الْعِلْمِ كَمُنْجَزٍ أَنْتَجَتْهُ التَّجْرِبَةُ، بِمعنى أَنَّ الْعِلْمَ يَتَعَامَلُ مَعَ الشَّيْءِ بِوَصْفِهِ شَيْئًا قَابِلًا لِلتَّفْكِيكِ وَالتَّرْكِيبِ وَالْكَشْفِ عَنْ نِظَامِهِ الدَّاخِلِيِّ، أَمَّا الْفَلْسَفَةُ فَتَهْدِفُ إِلَى تَفْسِيرِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَجُوديّاً، بَعْدَ أَنْ يَتِمَّ تَحْدِيدُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَاهِيَّةِ وَالشَّكْلِ، أي أَنَّ الْفَلْسَفَةَ تَسْأَلُ عَنِ الشَّيْء مَا هُوَ ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَتَى؟.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الشَّيْءَ فِي نَفْسِهِ لَا يَحْمِلُ فِي ذَرَّاتِهِ وَتَرْكِيبَاتِهِ الْمَادِّيَّةِ الْإِجَابَةَ عَلَى هَذِهِ الْأسْئِلَةِ، وَإِنَّمَا يَحْمِلُ الْإِجَابَةَ بِوَصْفِهِ حَقِيقَةً مَاثِلَةً لَهَا هُوِيَّةٌ مُحَدَّدَةٌ تُمَيِّزهَا عَنِ الْآخَرِ، وَهَذَا الْمِقْدَارُ يَكْفِي الْفَيْلَسُوفَ لِكَيْ يَسْأَلَ مِنْ أَيْنَ أَتَى هَذَا الشَّيءُ ؟؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُصَدِّقُ أَنَّ هُنَاكَ شَيئاً مَوْجُوداً قَدْ أَتَى مِنَ الْفَرَاغِ، وبالتّالي مِنَ السَّذَاجَةِ بِمَكَانِ الْإِجَابَةُ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ عِلْميّاً ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ تَخَصُّصَاً عَنْ دَائِرَةِ الْعُلُومِ.

وَبِمَا أَنَّ الْإلْحَادَ هُوَ رُؤْيَةٌ تَتَحَدَّثُ عَنْ مَصْدَرِ الْوُجُودِ وَمَنْ أَيْنَ أَتَى؟، فَحِينَهَا يُصْبِحُ الْإلْحَادُ رُؤْيَةً فَلْسَفِيَّةً وَلَيْسَتْ عِلْمِيَّةً، وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ الْمُلْحِدُ فِي غَايَةِ السَّذَاجَةِ عِنْدَما يُحَاوِلُ الْاِسْتِدْلَالَ عَلَى الإلحادِ بِالْعِلْمِ، فَمَثلاً قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ ( كُلُّ مَا فِي الْكَوْنِ طَاقَةٌ..)

 تُعَدُّ عِبَارَةً عِلْمِيَّةً يَتمُّ الْوُثُوقُ مِنْهَا مُخْتَبَرياً، وَلَا عِلاقةَ لِلْإلْحَادِ كَمَفْهُومٍ فَلْسَفِيٍّ بِهَا إثبَاتًا أَوْ نَفْياً ؛ لِأَنَّ الإلحادَ يَتَشَكَّلُ كَرُؤْيَةٍ فَلْسَفِيَّةٍ عِنْدَ الْإِجَابَةِ عَنِ السُّؤَالِ مَنِ الَّذِي أَوَجَدَ هَذِهِ الطَّاقَةَ ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَتَتْ ؟ وَمَا هُوَ مَصْدَرُهَا الْأَوَّلِيُّ؟.

وَبِمَا أَنَّ الْمَوْقِفَ الْفَلْسَفِيَّ مُخْتَلِفٌ بَيْنَ الْإلْحَادِ وَالْإيمَانِ فِي الْإجَابَةِ عَلَى هَذِهِ الْأسْئِلَةِ، لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ مَرَّةً أُخْرَى لِلْحَديثِ عَنْ مَوْضُوعَاتِ الْكَوْنِ هَلْ هِي طَاقَةٌ أَمْ مَادَّةٌ ؟ وَذَلِكَ لِكَونِهَا لَا تُؤَثّرُ عَلَى نَتَائِجِ الْبَحْثِ الْفَلْسَفِيِّ، وَمَا ذَكَرَهُ ( فلو) الَّذِي كَانَ زَعيماً لِلْمَلَاحِدَةِ فِي الْعَصْرِ الْحَديثِ فِي كِتَابِهِ (هُنَاكَ إلهٌ) خَيْرُ دَليلٍ عَلَى ذَلِكَ، يَقُولُ:( فِي عَامِ 2004م، قُلْتُ بِأَنَّ أَصْلَ الْحَيَاةِ لَا يُمكِنُ تَفْسِيرُهُ إِذَا بَدَأنَا بِالْمَادَّةِ فَقَطْ.

رَدَّ على الْمُنْتَقِدينَ بِروْحِ الْمُنْتَصِرِ قَائِلاً بِأَنَّنِي لَمْ أَقْرَأْ قَطُّ مَقَالًا فِي مَجَلَّةٍ عِلْمِيَّةٍ وَلَا تَابَعْتُ التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ الْحَديثَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّوَلُّدِ التِّلْقَائِيِّ (التَّوَلُّدِ الذَّاتِيّ مِنْ كَائِنَاتٍ غَيْرِ حَيَّةٍ).

هُمْ بِهَذَا النَّقْدِ لَمْ يَفْهَمُوا الْهَدَفَ الرَّئِيسِيَّ مِنْ كَلَاَمِي، فَاِهْتِمَامِي لَمْ يَكُنْ مُنْصَبّاً عَلَى هَذِهِ الْحَقِيقَةِ أَوْ تِلْكَ فِي الْكِيمْيَاءِ أَوْ فِي عَلِمِ الْجِينَاتِ، بَلْ كَانَ اِهْتِمَامي مُنْصَبّاً عَلَى السُّؤَالِ الرَّئِيسِيِّ عَنْ مَعنى أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مَا حَيَّاً، وَمَا عِلاقَةُ ذَلِكَ بِالْحَقَائِقِ الْكِيمْيَائِيَّةِ وَالْجِينِيَّةِ كَكُلّ.

أَنْ تُفَكِّرَ عَلَى هَذَا الْمُسْتَوَى، فَأَنْتَ تَفَكِّرُ كَفَيْلَسُوفٍ)

الْخُلاصَةُ:

سواءٌ كَانَ هَذَا الْكَوْنُ طَاقَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَسواءٌ كَانَ نِتَاجَ اِنْفِجَارٍ عَظِيمٍ أَمْ لَا، كُلُّ ذَلِكَ لَا عِلاقةَ لَهُ بِالْبَحْثِ الْفَلْسَفِيِّ بَيْنَ الْإيمَانِ وَالْإلْحَادِ، فَالْعِلْمُ لَا يُجِيبُ عَنْ سُؤَالِ الْعَلَّةِ الَّتِي أَوَجَدَتِ الْكَوْنَ، وَإِنَّمَا يَهْتَمُّ بِنَفْسِ الْكَوْنِ مِنْ حَيْثُ الطَّبِيعَةِ الْفِيزِيَائِيَّةِ وَالْكِيمْيَائِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

فَحَتَّى لَوْ أَثَبْتَ لَنَا الْعِلْمُ أَنَّ الطَّاقَةَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْكَوْنِ تَتَوَلَّدُ بِشَكْلٍ ذَاتِيٍّ وَتَتَحَرَّكُ بِشَكْلٍ دَائِرِيٍّ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ عِلْمِيَّاً غَيْرُ صَحِيحٍ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ عَلَى طَبِيعَةِ الْإِجَابَةِ عَنِ السُّؤَالِ، مَنِ الَّذِي أَوَجَدَهَا مِنَ الْأَسَاسِ ؟ وَلِذَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَن لَا يُنْجِرُوا إِلَى بُحوثٍ عِلْمِيَّةٍ لَيْسَتْ مِنَ اِخْتِصَاصِهِمْ وَلَيْسَتْ لَهَا عِلاقةٌ بِنَتَائِجِ الْبَحْثِ الْفَلْسَفِيِّ، وَإِنَّمَا يَجِبُ تَرْكِيزُ الْحَديثِ عَنِ السُّؤَالِ الْمِحْوَرِيِّ مَنْ أَوَجَدَ هَذَا الْكَوْن؟، وَنَحْنُ هُنَا نُقُولُ مِنْ أَيْنَ جَاءَتْ هَذِهِ الطَّاقَةُ مِنَ الْأَسَاسِ؟.