هل يكلّمُ الله الكافرينَ في يومِ القيامةِ؟
كيفَ نجمعُ بينَ قولِه تعالى: (ولا يكلّمُهم اللهُ يومَ القيامة)، أي أنّه لا يكلّمُ الكافرينَ في يومِ القيامةِ، وقولِه تعالى: (قالَ فذوقوا العذابَ بما كنتُم تكفرون)، وقولِه لهم أيضاً: (قالَ أليسَ هذا بالحق)؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
لا وجودَ للاختلافِ أو التناقضِ حتّى نضطرَّ للجمعِ، فقولهُ تعالى: (ولا يكلّمُهم الله) لا تنفي مُطلقَ الكلامِ وإنّما تنفي الكلامَ الذي يسرُّهم، والآياتُ التي ذكرَها السّائلُ في معرضِ السّؤالِ دليلٌ على أنَّ اللهَ لا يكلّمُ الكافرينَ إلّا بما يسوؤهم، وإذا رجعنا لتمامِ الآيةِ سوفَ يتّضحُ ذلكَ بجلاءٍ وهيَ قولهُ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشتَرُونَ بِعَهدِ اللَّهِ وَأَيمَانِهِم ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُم فِي الآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيهِم يَومَ القِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ)
فقولهُ سبحانَه: (ولا ينظرُ إليهم) دالّةٌ على أنَّ المقصودَ هوَ عدمُ العطفِ عليهم والرّحمةِ بهم والإحسانِ إليهم، ولا يمكنُ حملُ المُرادِ بأنَّ اللهَ لا يراهُم يومَ القيامةِ، فاللهُ يراهم كما يرى غيرَهم مِن خلقِه، وهكذا الحالُ في قولهِ لا يكلّمُهم، فكما لا ينظرُ إليهم نظرةَ رحمةٍ لا يكلّمُهم أيضاً بما فيهِ عطفٌ ورحمة، فعدمُ الكلامِ معهم كنايةٌ عَن عدمِ محبّتِه لهم، فمِن عادةِ المُحبِّ أن يُقبِلَ على حبيبِه ويكلّمه، ومَن سخطَ على أحدٍ منعَ عنهُ كلامَه فيقولُ له لا أكلّمُك، ولا أحبُّ أن أرى وجهَك، وإذا جرى ذكرُه لم يذكرهُ بالجميلِ، فثبتَ أنَّ الآيةَ كنايةٌ عن شدّةِ الغضبِ وبالتالي عدمُ الكلامِ كاشفٌ عن سخطِ اللهِ عليهم، وقولهُ تعالى: (ولا يزكّيهم) أي أنّهُ سبحانَه لا يطهّرُهم مِن دنسِ ذنوبِهم وأوزارِهم بالمغفرةِ، بل يعاقبُهم عليها، أو أنّه سبحانَه لا يُثني عليهم كما يثني على الصّالحينَ مِن عبادِه، بل يسخط عليهم وينتقمُ منهم جزاءَ غدرِهم، ثمَّ ختمَ سبحانَه الآيةَ ببيانِ النتيجةِ المُترتّبةِ على هذا الغضبِ وهيَ قولهُ (ولهُم عذابٌ أليم).
وفي المُحصّلةِ توعّدَتِ الآيةُ الذينَ يشترونَ بعهدِ اللهِ وأيمانِهم ثمناً قليلاً بأنّهم لا حظَّ لهُم مِن نعيمِ الآخرة، وأنّهم ليسوا أهلاً لرضا اللهِ ورحمتِه وإحسانِه، فلا ينظرُ إليهم اللهُ ولا يكلّمُهم بسببِ ما قدّمَت أيديهم.
اترك تعليق