مجموعةُ أسئلةٍ عقائدية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لدي عدة أسئلة واحتاج الجواب من فضلكم س١/ ما هي عوامل تكوين العقيدة الإسلامية س٢/شبهة استحالة خلق الشيء من العدم س٣ / شبهة عدم تصورنا لله يدعونا إلى عدم تصديقنا به س٤ /كيف يمكن وجود الله بلا موجد

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : قد تطرّقنا سابقاً لمُعظمِ هذهِ الأسئلةِ ولذا سوفَ تكونُ أجوبتُنا مُختصرةً.السؤالُ الأوّل: ما هيَ عواملُ تكوينِ العقيدةِ الإسلاميّة؟ الجوابُ: العقيدةُ في اللغةِ مأخوذةٌ منَ الربطِ والإحكام، ولذا يُشترطُ في الاعتقادِ العلمُ واليقين، وعلى ذلكَ فإنَّ العقيدةَ الإسلاميّةَ هيَ اليقينُ الجازمُ باللهِ تعالى وبما يجبُ له منَ التوحيدِ والطاعةِ وجميعِ صفاتِه، ومِن ثمَّ الاعتقادُ بملائكتِه وكُتبِه ورُسلِه واليومِ الآخر، وعلى ذلكَ فإنَّ الأصلَ في الاعتقادِ هوَ البرهانُ الذي يوجبُ العلمَ واليقين، ودورُ القرآنِ هوَ إثارةُ وتنبيهُ الإنسانِ لتلكَ الحقائقِ وتذكيرُه بضرورةِ التصديقِ بها، وعليهِ لا وجودَ لعاملٍ للاعتقادِ سواءٌ كونُها حقيقةً قامَ عليها البرهانُ ويجبُ الإيمانُ بها. السؤالُ الثاني: شبهةُ استحالةِ خلقِ الشيءِ منَ العدم. الجوابُ: هذهِ الشبهةُ قائمةٌ على مُقايسةِ فعلِ الربِّ بفعلِ العبد، فإذا كانَت التجربةُ والاستقراءُ هيَ التي دفعَت العقلَ للحُكمِ باستحالةِ ذلكَ في حقِّ المخلوق، فمِن أيّ بابٍ يجوزُ للعقلِ تعميمُ هذا الحُكمِ ليشملَ الخالق؟ وعليهِ لا يمكنُ التسليمُ بهذهِ الشبهةِ قبلَ التسليمِ بإنزالِ الخالقِ منزلةَ المخلوق، وهذا ما لا يمكنُ التسليمُ به، فإذا تعلّقَت إرادةُ اللهِ بإيجادِ شيءٍ سيخرجُ إلى عالمِ الوجود، قالَ تعالى: (إِنَّمَا أَمرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) وبالتالي ليسَ العدمُ هوَ مادّةُ الوجودِ وإنّما مشيئةُ اللهِ هيَ التي تحقّقُ للموجودِ وجودَه.  السؤالُ الثالث: شبهةُ عدمِ تصوّرِنا للهِ يدعونا إلى عدمِ تصديقِنا به  الجوابُ: معرفةُ الإنسانِ باللهِ ليسَت كمعرفتِه بموجوداتِ عالمِ الشهود، فالتصوّرُ شرطٌ في معرفةِ ما له صورةٌ أو ما يمكنُ للذهنِ أن يوجدَ له صورةً، ومِن هُنا فإنَّ مقولةَ العلمُ بالشيءِ فرعُ تصوّرِه مقولةٌ صحيحةٌ بالنسبةِ للأشياءِ التي لا يمكنُ معرفتُها إلّا مِن خلالِ إحاطةِ العقلِ بها، وهذه الأشياءُ بطبعِها تكونُ مُظلمةَ الذاتِ، أي أنّها غيرُ مُظهرةٍ لذاتِها ولا يمكنُ أن تدلَّ على ذاتِها بنفسِها، وهذا خلافُ الحقائقِ النورانيّةِ فإنّها هيَ التي تُعرّفُ عن ذاتِها بذاتِها ولا تتوقّفُ معرفتُها على إيجادِ صورةٍ لها، ومثالُ ذلك معرفةُ الإنسانِ لعقلِه، وسمعِه، وبصرِه، وروحِه، وقُدرتِه، ورحمتِه وغيرِ ذلك، فمعَ أنّها حقائقُ معروفةٌ للإنسانِ إلّا أنّها غيرُ مُتصوّرةٍ ولا يمكنُ للإنسانِ تصوّرُها إذا أرادَ ذلك، ونحنُ هُنا لا نتكلّمُ عن آياتِ العقلِ والسمعِ والبصرِ والقُدرةِ فإنّها أمورٌ يمكنُ تصوّرُها، ولذلكَ يمكنُ تعريفُ العقلِ بالمعقولِ والسمعِ بالمسموعِ والبصرِ بالمُبصرِ ولكنَّ ذاتَ العقلِ وذاتَ السمعِ وذاتَ البصرِ حقائقُ نورانيّةٌ لا يمكنُ تصوّرُها لأنّها ظاهرةٌ بذاتِها ولا تحتاجُ إلى إيجادِ صورةٍ لها، وعليه هناكَ معرفةٌ تصوريّةٌ وهناكَ معرفةٌ أخرى يمكنُ أن نُسمّيها معرفةً فطريّةً وجدانيّة، ومعرفةُ اللهِ تعالى ليسَت مِن سِنخِ المعرفةِ التصوريّةِ لأنّها معرفةٌ خاصّةٌ بالحقائقِ المُظلمةِ بذاتِها واللهُ سبحانَه دالٌّ على ذاتِه بذاتِه ومُنزّهٌ عن مُجانسةِ مخلوقاتِه، ومِن هُنا كانَ التوحيدُ في مدرسةِ أهلِ البيت قائمٌ على نفي أيّ معرفةٍ تصوريّةٍ للهِ تعالى فكلُّ ما يتصوّرُ هوَ مخلوقٌ مثلُنا مردودٌ علينا.  السؤالُ الرّابع: كيفَ يمكنُ وجودُ اللهِ بلا مُوجدٍ؟الجوابُ: قد أجبنا على هذا الإشكالِ بشكلٍ مُفصّلٍ تحتَ عنوانِ هل قانونُ السببيّةِ يشملُ اللهَ تعالى، ونقولُ هُنا بشكلٍ مُختصرٍ أنَّ احتياجَ الشيءِ إلى موجودٍ له علاقةٌ بالشيءِ الذي لم يكُن ثمَّ كان، أي إذا كانَ الوجودُ أمراً عارضاً عليهِ وليسَ مِن ذاتِه، أمّا مَن كانَ الوجودُ عينَ ذاتِه فلا يمكنُ أن نسألَ عن مُوجدِه، وعليهِ فإنَّ لقانونِ العليّةِ إطارُه الخاصُّ الذي يتحرّكُ فيه، وإخراجُ هذا القانونِ عن هذا الإطارِ يُعدُّ جهلاً بنفسِ القانون، فقولنا كلُّ شيءٍ لا بدَّ لهُ مِن سببٍ أو عليّة، نعني به أنَّ كلَّ شيءٍ لم يكُن ثمَّ كانَ لابدَّ له مِن سببٍ وعلّة، فالشيءُ الذي يحتاجُ إلى سببٍ هوَ الشيءُ الحادث، واللهُ تعالى ليسَ بحادثٍ حتّى يشملهُ القانون. وبحسبِ عبارةِ الفلاسفةِ فإنَّ الموجودَ المُمكنَ هوَ ما نسألُ عن سببِ وجودِه؛ لأنّه ممكنٌ في ذاتِه وحتّى يخرجَ مِن طورِ الإمكانِ إلى طورِ الوجودِ والتحقّقِ لا بدَّ لهُ مِن علّةٍ، أمّا ما كانَ واجباً للوجودِ بذاتِه لا يُسألُ عَن سببِه.